وجدت نفسي في ظهيرة يوم ربيعي، بعد أن أفنيت زهرة شبابي في خدمة وطني، حاربت من أجله، وهذه حرب أخرى أخوضها ضد خمول التقاعد وضد إفراط التدخين، ما حفزني أن أعيش بقية عمري في ارتياح وهدوء وإستنشاق هواء نقي.
في تقاليد بالية للبلدة، الإيجار للأغراب والعزاب فكرة مجنونة.
بدت صاحبة البيت منذ الوهلة الأولى، كغولة بشعة بوجهها العابس وهي قائمة توزع إرشادات لمتدربات درازة الزرابي التقليدية بورشة صغيرة ملحقة ببيتها، وخلال مقابلتي معها توفقت في إقناعها بعد عناء كبير بتوقيع عقد الكراء.
استقرت بمسكن مجاور لشقة إحدى قريباتها التي صادفتها ذات أصيل
ــ أنت المستأجر الجديد؟
ـــ نعم
ـــ من دواعي سروري الترحيب بك في بلدتنا الصغيرة.
ـــ شكرا جزيلا
ـــ أتمانع لو اصطحبتك في نزهة؟
ـــ على الرحب والسعة
ــ كيف وجدت البلدة؟
ـــ هادئة
— هل تدخن مثل المدخنة؟
ـــ أظن سأقلع عن التدخين
ـــ أنت وحيد دون …
–أنا بالكاد أحتوي نفسي
ـــ هل تتمشى معتمدا على العكاز
ـــ … إنني أعرج
ـــ ظننت هذا حين رأيتك
— أرجوك أن لا تظني أنني أغازلك، ولكن دون مكياجك أنت فاتنة، عليك أن تستعملي بعض البودرة لإزالة اللمعان من أنفك، وغالبا ما يخلف أحمر الشفاه إنطباعا سيئا لدى البعض.
— بلا مساحيق تجميل هكذا، يا عزيزي سأبدو بشكل مريع
— تلك السيدة يمكن أن يثير العبوس البلدة كلها
ـــ هل تلك السيدة المبهرجة شقيقتك؟ إنها لا تشبهك
ـــ لا تتشابه الإخوة عادة
ـــ أظن كذلك، أنا لا أشبه أخي الشقيق.
ــــ إنها ليست أختي في الحقيقة
ـــ لها أفكار خبيثة، كل ما تفعله هو العبث بمن حولها.
ــــ كثيرا ما يتصرف الشباب بطيش ونزق…
ــــ إنهم شياطين، ولكنهم فتيان جيدون بحق، وهذه ميزتهم.
ـــ الملل يخنق الأنفاس هنا، لا شيء يتابعونه غير مضغ الكلام ونشر إشاعات مغرضة تحرق الأعصاب، تفطر القلب، تخثر الدم، وقد تأخذ المسألة منحى أكثر تعقيدا لو تم تصديقها، فتفسد سمعة الناس.
ــــ ما الخطب؟
ما الذي تروجه تلك …؟
ـــ أن والدي كان سكيرا … عن كوني إنسانة صريحة، وغدة صغيرة في نظرهم لذا هم لا يحبونني هنا، وأنا مثلهم لا أحبهم أيضا.
ـــ لا أبالغ إن قلت أنك أكثر إنسانة صادقة صادفتها في حياتي العادية
ــــ أنا نافذة الصبر، هذا ما في الأمر
ــــ ألم تكوني نافذة الصبر من قبل
ــــ على ماذا؟
ـــ بخسة ودناءة تم إشاعة أن السيد … ليس أب طفله، وقد واجه التعس الأمر باللامبالاة، لكنه أعجز عن دحض ذلك الافتراء.
ـــ ألا تكون قد وجدت حديثنا مملا وتافها
ـــ لا على الإطلاق يا عزيزتي ..إنني في خضم قضية مستفزة ومثيرة للغاية، أنا في علاقة … مع صاحبة الورشة، إنه أمر مضحك إن لم يكن مقززا جدا، شيء غريب، أليس كذلك؟
ـــ أدرك هذا، أدركه
— لقد خاب ظني بهذه البلدة البئيسة
-ــــ هل تجد هذه الثرثرة متعبة؟
ــــ لقد تأثر قلبي، وانتابني التوتر حيال ما يدور
ـــ كنت أنا و عمتي …. نتساءل إن كنت ترغب في البقاء هنا
ـــ البقاء بالبلدة؟
ـــ نعم
ـــ في نفس الشقة؟
ـــ نعم
،ـــ ماذا عن تلك الجارة التي رحلت من البلدة
— أنها من أكثر الزوجات أخلاصا لزوجها، واهتماما بأولادها ، ماعدا لسانها فهو لاذع، وفي آخر حديثها معي كانت في حالة هياج حول ذلك الكاذب الحقير الذي كاد أن يعصف بأركان بيتها أن من أذاع ذلك هو مذنب إخلاقيا، و في حالة من الجنون المؤقت، لذا أنا أكرههم طوال الوقت
— ساكنة البلدة تكره هذه السلوكيات، لقد اعتادت البلدة أن تكون مكانا آمنا صغيرا، الآن أمست مرتع حماقات كبيرة.
ـــ لقد أصابني بعض الغضب، فليقوموا بالأسوأ ولكني لن أثور ليس لدي نقاط ضعف أو وسيلة ولوج خلالي
ـــ لقد كان من الكرم الشديد منك ضيافتي، وقد تمتعت بالإقامة هنا بحق.
ــــ إن أهالي البلدة دائما يفكرون في الأسوأ، أفضل أن ألجم لساني من أن أفتري على أحد، ولكن كأحد الغيورين على القرية، يلزمني القول: إن أقرب الناس احتمالا في أغلب الأحيان هم الذين يقومون بأعمال مفاجأة، ألا توافقينني يا آنسة ..؟
ــــ العكس أجد عادة أن أغلب الناس يتصرفون تماما كما هو متوقع منهم.
ـــ وأكثر الأحداث إثارة ما تثيره تلك الأقاويل من انطباع سيء في ضحاياها دون استثناء …
ــــ إن السيدة … رغم مظهر التدين الذي تبدو عليه، لا تنخدعي يا عزيزتي، فبعض العجائز لديهن ميل لارتكاب أفعال مقيتة، وفي مثل هذه الأمور، إحتمالية النساء أكثر والرجال أقل، نلخص إلى إستنتاج واحد، إن المشتبه به امرأة.
