إنها تمطر. من مطلع الفجر تمطر. قطرات تسقط كأن الله يبكي على فكرة فاتت عليه .
خرجت غير آبه . منذ أيام روائح المدينة والأماكن زهور وعطورات، روائح تدفعك لتبكي على نفسك بأسى، محاولا الإمساك بمصدر ما.
اليوم مطر. ليس لي مظلة، ولا أريد واحدة.
المظلات تافهة، اختراع أرستقراطي ضد البلل الوجودي. أنا لا أتجنب البلل، أتبناه.
أقف في محطة الباص. ماء السماء يدخل ياقة قميصي .
اللعنة على المظلات. أكاذيب قماشية، تمنحك شعورا زائفا بالأمان.
لا أحتاج أمانا، أنا بحاجة لسبب آخر كي أواصل الكذب على الحياة.
اختبأت قليلا في الموقف. الباصات تنتظرنا كما ينتظر القدر فرصة للسخرية.
في الحقيقة، شعرت بحاجة لمظلة لأن الباص توقف في المحطة الأخرى . لم تكن حاجة لمظلة، ربما شيئا يشبهها، رغبة في احتضان مؤقت، أو حضن بلا شروط.
نعم، كانت حاجة. كحاجة الإنسان للحب، للكذب الصادق، لأغنية حزينة في وقت غير مناسب.
رأيت فتاة. فتاة، لا احتمال.
من تلك الفتيات اللواتي يمشين وكأن العالم كتب لهن قصيدة ونسي نشرها. شقراء كان يجب أن تُوضع كعنوان لسورة او مقطع في كتاب مقدس ما. سورة الشقراء. او صاحبة المظلة في باسينز.
واقفة تحمل مظلة بلون ابيض شفاف، لها عيون كأنها نافذة تهرب منها الأسئلة الكبرى .
وقعت في حبها من أول نظرة، كما كل نظرة في حياتي نحو أي امرأة . وقعت. ليس لأنها جميلة، بل لأنها ممكنة .
ولأني أنا، مستعد أن أبلل كل ما تبقى فيّ، فقط مقابل أن أقف معها، أن التقط معها صورة، إلى جوارها، ولو تبقى المظلة لها وحدها .
اقتربت منها، أخطو داخل حلم لا يخصني .
نظرتْ إلي، رفعت المظلة قليلا، حيتني، بونجوغ .
قلت بونجوغ و في داخلي : هذا هو . يجب على العالم أن يعيد ترتيب نفسه تحت هذه الابتسامة، الان الان، يجب أن تتوقف كل الحروب. يموت الهوثيين هناك و ثلثي البلاد معهم .
أطلقت العنان للخيال، سأقول شيء ما، شيء يشبه هل انت الهة ؟ أعتقد نسي الجمال نفسه فيك .
أو كما يقول الغريق للماء. هل كنت تنتظريني ؟ .
شاب ما ظهر من خلفها، لا أعرف من أين جاء، هكذا ظهر كما ينتهي كل شيء جميل، بلعنة.
غضبت. خانتني . مشيت وحدي. أفتح مظلة لم أكن أمتلكها. كانت في جيبي كل الوقت، لكنني لم أكن انا . لم أكن أنا أبدا .