وصية من رماد / بقلم : حمزة شيوب

على صخرة كبيرة داخل البحر جلست ، لا أدري لماذا قاطعت كل هذه الأمتار  بالسباحة لأتسلق هذه الصخرة الضخمة الكائنة فيالبحر ، جلست أراقب البحر وشساعته ، فِكْرة الإنتحار لا تفارقني ، الجبن والخوف من العدم يجعلانني أتردد في فعل ذلك ، لكنمهما طالت الحياة لن أسمح للزّمن  أن يقتلني ، سأُخلِّص نفسي بنفسي من عبئ هذه الحياة ، الحياة التي خُلقت لتقهرنا كل يوم ،

 

أينما ذهبت يأتني إحساس بعدم الإنتماء ، وبأني غير مفيد وأحمق تافه ، حتى على هذه الصخرة الكبيرة يراودني هذا الإحساسالغريب ، أسوء شيئ يقع للإنسان هو اليأس ، لو لا فكرة الإنتحار لما إستطعت مقاومة الحياة في ظل هذه الكآبة المسيطرة ، لأننيالأن أعرف أني أستطيع أن أنهي حياتي متى ما شئت ،

لا أدري لماذا هذا التأخر في فعل ذلك ، رغم معرفتي اليقينية ان الهدف الحقيقي من هذه الحياة هو الموت ،

 

نزلت على الصخرة عائدا إلى الشاطئ ، أحمل معي وساويسي وحقدي على هذا العالم الذي جاء خصيصا ليعاقبنا على خطئ إرتكبهآدم ، فحسمت في قراري أن أنهي هذه الحياة الحزينة بالتفكير في الإنتحار حتى أمتلك الجرأة الكاملة لفعل ذلك ..

 

امشي علىالشاطئ وحدي احمل محفظتي اسير بلا واجهة ولا هدف ،اصبحت لا اهتم بشيء ، ولا يهمني شيئ ، حتى إني لم اعدأهتم بنبضات قلبي ، فقط أنتظر لحظة وقوفها كي أرتاح من تعب الدنيا وتعب التفكير في الإستمرار في العيش ، اسير في وجهةمجهولة ابحث عن الخلاص في ازقة مظلمة ،كل مكان اقصده يحيط بي العدم ، أحس أني نكرة ، لم يعد لأي شيئ معنى، الشيالوحيد الذي انتظره هو لحظة وصول دوري في الموت .

 

فجأة أجد نفسي وسط حشدٍ من المتبحرّين يسيرون على الشاطئ ، اسير معهم بمحذاة البحر ثم اقف لخمسة دقائق متأملا شعوريبالموت القريب ، ثم استمر في المشي ، لا يخيفني شعوري بالموت لأني طيلة السنوات التي امضيتها في الحياة ما عشتها يوما ، انيسأنجو من هذه الحياة التي سلبت مني كل شيئ .. سأنجو منها .. إني سأنجو…”

 

سأنجو من غرفتي القذرة وبؤسها ، ومن صوت صاحب الغرفة في اواخر الشهر ، ومن ألم بطني من شدة الجوع ، اثنى عشر سنةكانت كافية حين قال لي أبي أنت الأن رجل ، ليس لك مكان هنا معنا في البيت ، إما أن تكون أو لا تكون ، تساقطت دمعتين علىخدي أمي حين رأتني اجمع اشلاء ملابسي ، وسرعان ما تحولت الدمعتين الى فيضان من البكاء حين ادرت ظهري إليها وقصدتالرحيل .

 

أبي لم يكن معي قاسيا ، فقط اراد ان اكون . وصلت إلى ربع قرن من عمري وما زلت يا أبي أنا أنا ، غير أن الزمن غير ملامحوجهي ، لم اعد غليظا كما كنت ولا وسيما كما كانت تخبرني دائما امي ،وجهي اصبح متجعدا ، لا استطيع النوم في الليل الا حيناشرب اقراصا مهدنة أو إن تعاطيت مخدرات الكيف ، انك يا ابي حكمت علي اني رجل حين كنت في الثاني عشر من عمري ، ومازلت اتألم على مسؤولية حملتها لي وانا صغيرا ،

 

إن احساسي بالموت يزورني يوما بعد يوم ، الزمن انهك جسدي النحيف ، وما تبقّى منه انهكته الأيدي القاتلة ، لا تذرفو علي الدموعحين اموت ولا تترحموا علي ، فقط احرقو جثتي وادفنو رمادي قرب بيتي كي اشعر بدفئ امي الذي حرمت منه منذ ثلاثة عشر سنة..

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!