حتّى وإن كنتُ بلا ديانة من الأساس، حتى وإن ولدتُ لأبٍ وأمٍ ملحدين، حتى وإن لم أسمع بكلمة “رب” إطلاقًا، أعتقد أنّي سأبحث عن ربٍ وأؤمن به إيمانًا يقينًا حين تضيق بي ذرعًا، بدون الحاجة لرسولٍ ومعجزات، بغض النظر عن الرؤية في العوالم المعتادة، كالشمس والقمر وحركة الأفلاك وأرزاق المخلوقات، أتخيل فقط لو أنني أعيش في دولة ليست إسلامية، وممكن لا مسيحية ولا يهودية حتى، يستمر الأمر في جهل الحقيقة حتى أرى ظاهرة طبيعية، كالفيضانات، أو الأعاصير، أو الزلازل، أو البراكين. كيف تزلزل الأرض أو تغرق، كيف تهدم المباني، وتبتلع المياه مدنًا بالكامل، كيف يصيح البشر من الخوف، ويصير الجميع في حالة رعبٍ وهلع، وكيف تُشرّد آلاف العائلات ويصيرون لا مأؤى ولا فراش، أعتقد أنَّه وبالفطرة حينها أصرخ “يا الله” هكذا بلا دراية، دونما ترتيب مني، ثم لوهلة أستحضر المناجاة هذه، من هذا “الله” الذي نطقتُ اسمه بلا وعي؟
سيقودني المنطق أنَّ شيئًا عظيمًا يتحكم بكل هذا الهول والرعب، شيئًا أعظم من زلزلة الأرض، هناك قوة خارقة فوق حدود المنطق، لا يعقل أنَّ ما يحدث كان افتعال الطبيعة للطبيعة، دون أي تدخل من أحد!
سأدرك أن هناك قوة جبّارة لا تُقهر فوق هذه الظواهر المرعبة، على الأقل – من الرعب الشديد – أبحث عن ملجأ رحمته أقوى من الطوفان، أو الزلزال، يحفظني من الكارثة، يهدئ من روعي ولا أرتعب في حفظه، سأصل إلى نتيجة أنَّ الاسم الذي نطقته في ذروة الخوف “الله” هو الحل الوحيد لكل ما يعتريني من رعب وهلع، وحده من أوجد كل شيء، ويعلم كل شيء، دون سواه أقوى من أي قوة ممكنة!
لا أعلم كيف لا يؤمن الملحدون أنّ هناك ماهو فوق كل شيء يرعبهم ويخوّفهم، لا يقدر عليه أحد!
الصدفة التي يؤولونها بخلق الموجودات وافتعال الكوارث من ذات الوجود، هل لهم أن يخافوا ويشعروا بالرعب والهلع من اللاشيء!
بالتأكيد لا، لولا وجود الظواهر الطبيعية لما شعرنا بكل هذا الرعب، لابد لشيءٍ ما أن يحدث كي نشعر، كذلك الوجود، لم يأتِ صدفة، إن كانت “الصدفة” أعظم مافي الوجود حسب ما يرون، فالصدفة هذه غير قادرة على إثبات أنها الأعظم والشكوك والتساؤلات لا زالت غاية في الاضطراب!
لن تتوقف عن البحث في التكوين، حتى تصل إلى شيء لم يكوّنه أحد، لا بداية له، ولا نهاية، كي يظل بداخلك الشعور بالرهبة تجاه هذه العظمة، والإيمان اليقين أنه شيء يستحيل معرفة سيكلوجيته مالم يكشف لك هو عن نفسه.
الشيء الذي تراه يعتبر مخلوق مثلك، لأنكما تتفقان في التفكير، كل منكما يفكر من الذي خلق الآخر، حتى تصلان إلى أنَّ ثمّة شيء كبير يفوق العقل والمنطق هو من قدّر لهذا الوجود أن يكون، وأنّه شيء غير مرئي، شيء في الشعور تدركه لكنك لن تستطيع الوصول إليه بالحواس البشرية، لابد لغيبيات أن تأتيك بأشياء تقودك ناحية الحقيقة التي تبحث عنها.