بعد هذا المدخل التمهيدي ، أنتقل إلى تسليط الضوء على عنوان النص:”على باب المذهببة”،الذي يشكل العتبة لدخول عالم النص،لفك رموزه وطلاسيمه،وتبديد عتمة دياجيره التي تزخر بها بنيته العميقة….
وعلامة الدار على بابها…
……………………………………
* قراءة في العنوان:
على الباب،وقبل الاستئذان،أرى على مزلاجه،بيارق حرب وأعلام ورايات مختلفةمعلقة ،لكل حزب لونه وشكله،ولكل شعاره.وأسمع ضوضاء وجلبة بالداخل،أكاد لا أميز الخطابات والمضامين والأطروحات،لقوة الصراخ المتعالي.إلا أن طبول الحرب تدق لتأجيج العاطفة،وزغاريد النساء مخذر قوي “مورفين”لتخذيرالعقول .
إنه صراع ،ضد الساعة سباق،لاحتلال المواقع… هذا الجبل لنا،ورثناه أبا عن جد .وهذه أوراقنا التبوثية.
أنت دخيل ؟مالك حق عندنا…؟إلى الجحيم…ارموه في البحر…ارحل..!
عجبا أتبيت ليلة يتيمة في المستنقع…،ليلة واحدة فتصبح وريثا للضفاضع في البركة؟! …غريب أمرك! نحن السكان الأصليون:القاع لنا والبقاع…والشط لنا،يصيح شيخ قبيلة من القبائل..
أشم رائحة الخيانة والمؤامرة والدسيسة والسياسة،تخرج من المطبخ.وما يعجن به من خبز مخمر وغير مخمر،وجبات سريعة،على عجل،وأخرى تسوى على نار هادئة،لتستوي خطة سلام ومحبة ووئام. وأخرى عبارة عن نزوات، ممزوجة بأشلاء الشهداء ودماء الابرياء…
“عند باب المذهبية”عنوان يحمل في ثناياه دلالات وإيحاءات،ورموز منقوشة ،بحروف بارزة،على الباب تلوح كباقي الوشم بظاهر اليد .
لا نحتاج معها إلى آلة لفك الشفرات،ولا إلى الدخول إلى عقره، من ظهره أونافذته .أما مدخنته فما ينبعث من”قاعه” ،وركنه الجنوبي،كفيل بإعطائنا صورة واضحة عما يخطط له لتغيير معالم وملامح الخريطة،والبيت الجميل هذا لبنان،رمز الفن والجمال ،عبر الأجيال.
أجل !…دخانهاسام يخنق الأنفاس،ويولد الربو،وداء السل في رئة البلاد والعباد.والخوف كل الخوف أن يسري ك”فيروس”في الأعضاء.
أقول :
إن المذهبية والطائفية من قبائل تسعة رهط ، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
المذهبية تعني الطائفية والتشرذم والعصبية المقيتة، إنها الأنانية بمختصر العبارة.فهي تولد الضغينة والحقد،وتفرق بين المحبين،المتآلفين،وبين الجيران المتعاضدين لسنين، رغم اختلاف مشاربهم.إنها شيطان يوسوس في الصدور ،مشاء بنميم،حاثا على زرع بذور الشقاق والتفرقة ونبذ الآخر،والسعي لمحقه ومحوه.،باسم شعارات عنصرية،اللون اللغة والعقيدة.
أطياف هو لبنان وألوان”موزاييك”قوس قزح،فردوس وجنةقطوفها دانية،متباين القسمات والأشكال ،وهذا-والله-لنعمة يحسد عليها.التنوع فيه غنى.. ولذلك خلقنا الله.والاختلاف رحمة وتواد وتراخم ومحبة….
فلماذا ،ياترى،ننساق وراء همزات الشياطين/الشر/السياسة/الحرب /الدم والدمار؟!.لماذا؟!….
ونرمي وراء ظهورنا،تعاليم المسيح،منقذ البشرية:الإنجيل،النور والضياء والسلام…
وننبذ تعاليم أحمد عليه السلام:القرآن الكريم،تحيتهم سلام…وقبلاتهم للأسف،أنياب تنفث سما ناقعا وأثاما،ودعوة متطرفة إلى الإرهاب والتقتيل وسفك الدماء بغير حق..
والإسلام،كتعاليم وقيم وأخلاق براء من هذا ،وكذا المسيحية.
أجل يحدث هذا بمباركة بعض الفقهاء والقساوسة من الفريقين ،من أصحاب المصالح،ومن منافقي السياسة والدجالين الذين يرون في الوطن دجاجة من بيضها الثمين يأكلون ،ومن ضرع بقرتها يحلبون.،ومن ريعها يقتاتون،سماسرة الأجزاء.عملاء وأزلاما…هم أشبه ما يكونون بسلحفاة عفنة نثنة،وهي كذلك، لا تعيش إلا في الماء العكر.وهم على منوالها يصطادون ،في نفس البيئة ….
أما الشرفاءوما ادراك ما الشرفاء!…،وهم كثر …
“والحرة تجوع ولا تأكل بثدييها”.إنهم أحرار،هدفهم نبيل واضح،ومسعاهم سليم ناصع ،ونيتهم نظيفة وعقولهم نذروها للمصلحة العليا للبلاد.وبعيدا ينظرون؛ تطاول هممهم عنان السماء..لامجال للمقارنة -مع وجود الفارق-بينهم وبين
السياسيين ، نظرهم حسير وبعده قصير،مبلغ طموحهم مقعد وثير لا يدوم…ولو كان يدوم لدام لسليمان الرسول،وقد سخر له الله الريح والجن والطير فهم يوزعون..
الخلود والدوام للأصلح …
والأنفع والأفيد…أما الزبد، فيذهب جفاء…
أما ما ينفع الأرض فيمكث فيها…
ألا كل شئ ،ماخلا الله ،باطل
وكل نعيم ،لا محالة -زائل.
لبيد بن ربيعة العامري…
ألا ترين معي أن الجذر اللغوي للمذهبية مستمد من فعل”ذهب”و”ذهابا “مصدره،هذا يعني أن كل حزب منهم ذهب ،في اتجاه معاكس،كل بما لديهم فرحون. تفرقوا وتشرذموا ووزعوا الغنيمة كالضباع والكواسر ،وهي لا تقتات إلا من الجيفة.أما الأسود وعزة النفس فلا ترضى إلا بما اصطادته مما لذ وطاب.
لا تذهب نفسك حسرات عليهم؟
قد تعصبوا واتحدوا للقضاء على بعضهم البعض،تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى…قبائل وعشائر…
لو أنهم اتفقوا،حين اتفقوا لمصلحة البلاد والعباد،لأصبح لبنان جنة الخلد .وقد كان مهد الجمال إلى وقت قريب.
كلنا أمل سيعود لبيروت إشعاعها الفكري وألقها ونورها وأنوارها ، وسلامها وأمنها-شئتم هذا أم ابيتم-وأملنا في الله كبير….
سماءلبنان يرفرف فيها حمام السلام،أبيض ناصع،يغطي الأديم والأرجاء والحقول والروابي زهورا و ورودا وشقائق نعمان…وفراشات بيضاء ،وأسراب من السنونو والعنادل والنواريس، تعزف سمفونية لحن الحب والخلود والسلام ،أنغاما من وئام. وتسبح لبزوغ فجر جديد مشرق، ينبعث طائر الفنييق من رماده،ليجلو الأحزان ويزيل الاشجان من عيون البؤساء.
وأخبث زاديتزود به الإنسان الشر…وأتعس مطية الطيش والتهور والإرهاب ،وأنكى من ذلك الفتنة فهي أشد من القتل…
والحرب دمار،أم قشعم،تأتي على الأخضر واليابس.وبسببها بادت حضارات سادت ،أو بسبب من سكن قراها من مترفيها، الذين فسقوا فيها ؛فحق عليها القول فدمرت تدميرا،إذ أتاهم رجز من السماء،أو طير أصحاب الفيل.او ريح عقيم لا تبقي ولا تدر…لواحة للشر…
وهذا سيكون حتما مصير بني صهيون،بداية…ونهاية بالكيميائي بشار…حتى الدواعيش لهم يوم كيوم عاد…لأنهم يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، مصاصي الدماء، قتلة الحضارة والولدان والعذارى والعجزة.
والخير فضيلة تلين القلوب، وتهدي إلى صفاء النوايا وانتشار الإخاء، ونبذ الحروب ؛والسعي إلى الإعمار والصلاح؛ ونشر السلام وغرس أشجار الزيتون والليمون. والوئام….
يبدو المطلب طوباويا،مثاليا صعب المنال…
وحتى إن لم نستطع تحقيقه كليا،وهذا أمر مستحيل،ومطلب عسير ،في عالم تسكنه الشياطين من إنس وبشر.
فعلى الاقل السعي وراء الحد الأدنى، لنحقق نسبة منه.
فما لا يدرك كله،لا يترك جله…
فلا وجود لملائكة وأنصاف آلهة في كوكبنا هذا ؛ولنعش فيه ولنتعايش؛ ولنقبل بماقدر الله .فبخطيئة أبينا خرجنا من نعيم الجنةالخالد، إلى جحيم الأرض البائد..
هذه لعبة الأقدار وسنة الخالق.
ولا بد من الخضوع والخنوع ، لقواعد اللعبة،وسنن الكون ….
ولن تجد لسنة الله تحويلا ولا تبديلا….
وللمقاربة بقية…