الجنة التي صنعها ياسر/ بقلم:عماد ابوزيد

دوى الرنين مُعلنًا تمام الساعة الثانية عشرة ليلاً . بدأ المذيع يسرد أنباء الـ24 ساعة المنصرمة ، ازدادت ْ قلقًا ، خنقتْ صوته المرسل من راديو الترانزستور الصغير ، وهي لا تزال حائرة ، ترتقب قدوم حبيبها الغائب إلى أن أطفأت مصابيح المحل ، ودموعها لم تزل مُتحجرة في عينيها . تَحِلُ الظَلمة بها ، وهي تهبط بباب الصاج . تتوارى “الفترينات” ، الملأى بعلب السجائر والثقاب الفاخرة ، وبطاريات الجيب ، ولعب الأطفال من دُّمى ومفرقعات بسيطة ، وما شابه ذلك من ألعاب السمر والخداع شيئًا فشيئًا . تغلقهُ بالقفل، وهي مُتحسرة على حالها ، وذاكرتها تجرها إلى صور مبهجة للساعات الدافئة التي قضتها مع ياسر. تبدأ قصتهُ معها عندما وضعتْ في يدهِ علبة سجائر وكبريت، وقبل أن ينقدها، فتح العلبة بأسنانه، وأشعل سيجارة؛ ليجذب نفسًا عميقًا منها ، ويطلق زفيرًا مُحملاً بدخان كثيف . كان الأحد، مازالتْ تذكر اليوم والتاريخ ، وكانت الساعة تشير آنذاك إلى الثانية عشرة ليلاً .
* *
يقف عقرب الساعة القصير القامة شاحب الوجه مَحزونًا ، ينعي حظه عند العلامة رقم 12 كل ليلة، وقد عانقهُ بندول الدقائق في تأس ٍ دفين . بدوا وكأنهما يُجسدان نصبًا تذكاريًا للحبِ المفقود. تطول تلك اللحظة بها حتى يستولي الشرود عليها . يمتد الوقت ، وهي مُستغرقة في سكونها ، كعروسٍ سقط حصانها ، قبل أن تنطلق الزغاريد في ليلة الزفاف . تُفقدها الصدمة وعيها ، وتُسلمها للحداد ، تُبحر بكل جوارحها ودقائق جسدها إلى الجنة ، التي صنعها ياسر في زمن فائت .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!