الروائي ذو يزن الشرجبي في روايته ( السرداب 37)

كمال محمود علي اليماني

أهداني العزيز الروائي والقاص ذو يزن الشرجبي نسخة من روايته( السرداب37) ، وهي رواية تقع في جزئين أو أكثر ربما؛ إذ أن ما في يدي قد كُتب على غلافه ( الكتاب الأول) ، وهو كتاب جاء في 286 صفحة ذات المقاس المتوسط.
الرواية من إصدارات أواخر العام 2024م ، وصدرت عن مكتب خالد بن الوليد للطباعة والنشر والتوزيع / صنعاء.
وهي رواية من أدب المغامرات الذي لايكتبه – حسب قراءاتي، وأرجو أن لا أكون مخطئا- في اليمن سوى ذي يزن.

ومنذ العتبة الأولى ، وأعني بها الغلاف كما هو معلوم ، يصل القارىء إحساس بما سوف تحتويه الرواية من عنف وخفايا وأسرار ، ولقد جاءت عبارة بعد العنوان الكبير للرواية تقول: ” كابوس حي متوارٍ في جوف مدينة عدن”. كما أن صورة الغلاف بما حوته من لوحات معبرة توصل إليك ذات الإحساس.
ويزيدك إحساساً بالخوف والرعب الحقل الدلالي لعناوين الكتل السردية التي حوتها الرواية ، وهي 16 كتلة سردية ، نقتطف منها:
* السقوط للهاوية .
* مفاجأ صادمة.
* سقوط الأقنعة.
* قطعة في حياة ضائعة.

ولعل ما أورده ذو يزن في صفحة 9 يكون مرشداً ودليلاً على مايحتويه المتن ، إذ يقول: (( “اسمي هو معاذ شوقي” وهذه هي قصتي المميزة ، أو ما يمكنكم أن تسموها إذا شئتم بعد الاطلاع الكافي عليها بالكابوس الأزلي ، فبرغم غرابة وغموض الأحداث التي وقعت البالغة حد الجنون ، والتهيئة المريبة المسبقة التي ساقتني قسراً لأن أقع فيها رغماً عني ، والتجربة الرهيبة التي سحقتني تحت وحشيتها الفتاكة ، تلك التي عرّضت حياتي مراراً للفناء بصورة أبشع من الموت. )).

ولقد اعتمد الراوي ذو يزن ضمير المتكلم ، واعتمد أيضا تقنية السارد غير العليم ، والبطل المحوري في الرواية هو ذاته السارد ( معاذ شوقي) ، وهناك أبطالٌ أخرون مساندون ، وثانويون هم: الطفلة وداد وهي طفلة مصابة بالتوحد ، امرأة ، بشر متحولون إلى مسوخ.
ولقد دارت معظم أحداث الرواية في مستشفى جنوب عدن الملكي
وأحسب أنه يشير إلى مستشفى الجمهورية حالياً، بما يشير إلى أن الأحداث قد وقعت في زمن الاستعمار البريطاني لعدن، وبالذات في مختبر يقوم فيه أحدهم بتجارب تمكنه من استحداث عقار يعمل على حقن البشر به فيتحولون إلى مسوخ بشرية يأتمرون بأمره ، ويكونون طوع بنانه، وفي هذا إشارة ، ربما ، لما يمكن أن يكون عليه الحال لو أن العلم تمكن من تحقيق ذلك فعلا ، ولعل الروبوتات تشكل صورة مادية غير بشريةةة لهذه الطاعة التي من الممكن أن تحمل الدمار والموت لبني البشر، وبهذا فالغرض المغامراتي يخفي وراءه نظرة ذكية فلسفية ينبّه إليها الروائي ذو يزن عبر روايته.
الفترة الزمنية التي تدور فيها الأحداث قصيرة ، فهي يوم أو أقل من يوم.
ولأن أدب المغامرات يقوم على شخصية متخيلة يعهد إليها الروائي القيام بمهمة خطيرة ، ومجازفات غير اعتيادية يكون من نتائجها تخليص فرد أو أفراد أو مدينة من خطر داهم يحيق بهم؛ فقد رأينا البطل معاذ شوقي

وهو يحاول جاهداً لأن يكون له دور في استكشاف مايجري داخل ذلك المستشفى ، ومايحدث للبشر الذي يخضعون لسيطرة رئيس المختبر هناك،
وغالباً مايقابل مصادفات ومواقف لم يكن يتوقعها ، ولذا فهو يتصرف بحذر شديد، ولايخطو خطوة إلا ويحسب لها حسابا.
وابتدأت المغامرة عندما كان البطل فوق إحدى الحافلات في طريقه إلى منزله ، إذ وقفت سيارة نزلت منها مجموعة مسلحة وأطلقت النيران على سيارة أخرى ، وتم تبادل إطلاق النيران بينهما ؛ مما خلق حالة من الرعب والهلع لدى راكبي الحافلة وهو منهم ، فاندفعوا هاربين كلٌ في اتجاه، وكان أن فر بطل الرواية مع الفارين واتخذ طريقاً له أوصله إلى المستشفى القديم.
ويبرز السؤال : يتبادر إلى ذهن القارىء من خلال اسم البطل والمعلومة التي التصقت به من أنه طالب في الجامعة ؛ أن الزمن هو زمن حديث ، أي مابعد الاستقلال بعقود ، ولكن ذو يزن أحالنا إلى زمن الاستعمار
البريطاني من خلال اسم المستشفى ، فلماذا فعل ذلك ؟ هل أراد من خلال ذلك أن يعرّض بالاستعمار البريطاني ومحاولاته المستمرة لتهميش الناس في عدن ، وتحويلهم إلى إناس طائعين لايعصون له أمرا.
وهل كان بطل الرواية معادل رمزي لشباب عدن حينها ، ذلك الشباب الثائر الذي خاض النضال ضد المستعمر، وهل الطفلة وداد معادل رمزي هي أيضا للطفولة المشردة والمسكينة ، والمرأة معادل رمزي لما كانت المرأة المستلبة آنذاك، أم أن المقصود هو الغرب وحضارته التي حاولت وتحاول أن تستعبد بني البشر في كل مكان ؟ وهل الجمع بين الزمنين الزمن الحديث والزمن القديم في الرواية يشير إلى تكرار التجربة ، فيدين بذلك الماضي والحاضر؟

الرواية لم تزل في كتابها الأول ، وهي لاتفصح عن توجهها الفكري ، غير أنها محملة بالكثير والكثير من المتعة المتأتية من الأحداث والمواقف المفاجئة وغير المتوقعة التي يجد البطل نفسه فيها ، والتي يستطيع من خلال سرعة بديهته وذكائه أن يتخلص منها ، بل ويلجأ أحياناً إلى المواجهة البدنية المباشر للتخلص من المسوخ البشرية التي تهاجمه للقضاء عليه.
وخلال كل ذلك يجد القارىء ذاته يحبس أنفاسه خوفاً على مصير البطل ، ويتفاعل معه مؤمناً بعدالة سعيه ومطمحه للتخلص من هذا الشر الرابض فوق صدر المدينة.
ترى ماذا سيحمل لنا الكتاب الثاني أو الكتب اللاحقة ، وهل سينتصر معاذ كمعادل رمزي للخير على ذلك الشر ؟ وهل سيخوض مغامرات أكثر خطورة ، وسيتخذ قرارات أكثر مجازفة؟
إلى أن نصل إلى كل ذلك ، أدعك عزيزي القارىء كي تستمتع بقراءة هذا الكتاب الأول من الرواية التي ستجبرك ، ولاشك ، على الانكباب عليها ، حابساً انفاسك ، ولسوف تتركك شغوفا لقراءة الكتاب الثاني ، أو الكتب التالية ؛ لما حوته من روعة السبك ، وسرعة الخطى ، وعزم الحركة.
رواية موفقة ، وبارك الله للعزيز ذي يزن ، ولنا ، وللمكتبتين اليمنية والعربية إصدارها.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!