الحلقة السابعة
بقلم: فابيولا بدوي
لا أحد يراك ظالمًا إن رفعتَ لافتة العدالة
في زمن الصورة، لم تعد السلطة بحاجة إلى العنف لتُخيف، بل إلى لافتة ترفعها أمام الكاميرا، وابتسامة امرأة تقف في الصف الأمامي، وصوت ناعم يقول: “لدينا نساء في كل المواقع”.
لكن السؤال هو: هل تواجد المرأة كافٍ؟ أم أن المساواة، حين تكون شكلية، تصير أخطر من التمييز المعلن؟
المصطلحات كأقنعة: تمكينٌ بلا قوة
“تمكين”، “تكافؤ فرص”، “المرأة القيادية”، “رائدة”… ألفاظ أنيقة، لكنها كثيرًا ما تستخدم لتجميل واقع باهت لإيهام الجميع بأن شيئًا تغير… بينما كل شيء باقٍ على حاله.
الذكورية الحديثة صارت أكثر ذكاءً: لا تقصي المرأة من الصورة، بل تضعها في مقدمة الصورة… وتُمسك هي بالخلفية، بالتحكم، بالقرار.
حضور بلا سلطة: الواجهة الناعمة للمنظومة الخشنة
امرأة في البرلمان، امرأة في الوزارة، امرأة في الاجتماعات، لكن من يملك الكلمة الفصل؟ من يُشرف على الموازنة؟ من يُرسم له طريق الصعود؟ ومن يُقصى بصمت؟
المساواة الشكلية هي هندسة دقيقة للحضور بلا تأثير، وللوجود الذي لا يهدد التراتب.
الكوتة: مقعد محجوز… لا سلطة مُستردة
الكوتة النسائية ليست تمكينًا، بل اعتراف ضمني بأن الطريق مغلق إلا بهذا الباب الجانبي. هي ليست مساواة، بل استثناء مؤقت يُمنّ به النظام على النساء.
في المجالس والبرلمانات، تُستخدم الكوتة كأداة تجميل أمام الخارج، بينما في الداخل، تُفرّغ المرأة من أدوات التأثير، فتجلس على كرسي نصفه مرئي، ونصفه مغلق. ونحن نترتضي به على مضض حتى لا يكون المكان خاليا حتى من الأشباح
حين يخدم الوهم السلطة: كيف تُصبح الذكورية أكثر رسوخًا؟
المساواة الشكلية لا تُضعف النظام الأبوي… بل تمنحه غطاءً جديدًا، ويمنحه قدرةً أعلى على البقاء.
– لأن الذكورية تصبح “مُحصّنة ضد النقد” بفضل وجود رمزي للنساء.
– ولأن النساء أنفسهن قد يقعن في فخ الدفاع عن نظام لا يمثلهن، طالما منحهن مقعدًا، أو منبرًا، أو صورةً في صدر الصفحة.
وهكذا تُصنع “الشرعية المزيفة”. وهكذا يتحوّل الظلم إلى نظام لا يُمس، لأنه يبدو في الظاهر… عادلًا.
الدراما: المرآة المكسورة للمساواة
الدراما العربية، في معظمها، تكشف الزيف الذي يعيشه الخطاب الرسمي. ففي خلفية كل حكاية امرأة “ناجحة”، تقف شخصية المرأة الشريرة، المسيطرة، المتسلطة، وكأن القوة لا تأتي للمرأة إلا بثمن أخلاقي.
أما النساء “الطيبات”، فهن خاضعات، مسحوقات، أو مهمشات. كأن البطولة لا تكون إلا إما بالشراسة… أو بالخذلان.
وهكذا تُبرمج الأجيال على أن السلطة لا تليق بالنساء إلا إذا كنّ… خارجات عن المألوف.
خطورة التواطؤ مع التجميل
حين تُستَخدم النساء كواجهة، فهن لا يُمثّلن انتصارًا، بل يُستخدمْنَ كجزء من آلة التجمل السياسي.
الفرق بين “امرأة في المنصب” و”امرأة صاحبة قرار” هو الفرق بين تمثال جميل… ويد تتحكم في المفاتيح.
رد تحالف الضرورة: كشف القناع، لا تزيينه
– الراديكالية ترفض التجميل وتقول: هذا النظام لا يتجمّل، بل يُكسر.
– الليبرالية تفضح التناقض من الداخل، وتعيد تعريف المشاركة لا كمشهد، بل كسلطة حقيقية.
التحالف لا يفرح بصورة، ولا يحتفل بمقعدٍ مُفرغٍ من المعنى. بل يطالب ببنية جديدة تُبنى من الداخل لا من زينة الواجهة.
باختصار: لا نريد وجهًا أنثويًا لسلطة ذكورية
نحن لا نبحث عن امرأة تُردد ما يُطلب منها، ولا عن “سيدة شاشة”، أو “قيادية مُطيعة”، أو “رائدة بلا أدوات”.
نحن نبحث عن مساواة تُغيّر القاعدة، لا تزين القمة.
لذلك نقول: لا نريد امرأة في القفص الذهبي، بل امرأة تُكسر القفص كله… وتُعيد بناء الفضاء من جديد.