التِّيهْ / شعر : الشاعر الأردني علي الفاعوري

في آخرِ اليومِ المُطَرَّزِ بالكآبةْ
أغْفو على شَفَةِ الكِتابةْ
أسْتبدِلُ التّاريخَ بالزَّمَنِ المُعلَّبِ
والقصيدَةَ بالسّجائِر
أنْسّلُّ مثقوباً
كَزيرٍ فارِغٍ مِنْ أيِّ ماء
وعِندما يأتي المّساءْ
أبكي على وَطَنٍ لكي ينجو
ينامُ على جَنابَةْ !
وأصيحُ فِيَّ
أما تَعِبْتَ مِنَ الخُضوعْ
أما كرِهْتَ عُيونَ صبْرِكَ
وهيَ تَحترِفُ الدُّموعْ ؟
لَمْ يَبْقَ غيرُكَ في القصيدةِ
أقْفَلَتْ كُلُّ الدَّكاكينِ
الدَّفاتِرَ
والمقاهي أعْلَنتْ عِصيانَها
لمْ يَبْقَ غيرُكَ في انتِظارِ الاحْتِمالْ
لمْ يَبْقَ غيرُكَ في دهاليزِ السُّؤالْ
تائِهاً في التِّيهِ
تَسْتَجدي إجابَةْ !
يا أيُّها المَنسيُّ
وحْدَكَ سوفَ تَبقى بعدما ذهبَ الجميعْ
ولَسَوفَ تَحيا خارِجَ الزَّمنِ الوضيعْ
تبكي
كَخيطٍ عاشَ مَشْدوداً على ظَهرِ الرَّبابةْ !
———-
هذا
ويُمكِنُ أن تعيشَ العُمرَ
وَحْدَكْ
هذا
ويُمكِنُ أن يخونكَ مَنْ ظننْتَ بأنّهُ
يدُكَ التي..
فًمُكَ الذي..
ولَسَوفَ تَذْكُرُ حينها
مَنْ حَكَّ جِلْدَكْ !
هذا ويُمكِنُ
ثمَّ يُمكِنُ ..
ثُمَّ يُمكِنُ
ثُمَّ قد تَذْوي ولَمْ تَبْلُغْ أَشُدَّكْ !
انْهَضْ
فقدْ تَبْقى بِبابِ النَّومِ مَرمِيّاً
كَناطورِ المُحالْ
مُتناثِراً مِثل الهَواءِ
مُقوَّساً مثل الهِلالْ
لا صوتَ يخْرُجُ مِنْ يَديكَ
سِوى السُّعالْ !
لا شمسَ يُمكِنُ أن تَزوركَ
أو سَحابَةْ
في التِّيهِ وحْدَكَ رُبَّما
أو لسْتَ وحدَكَ
لا يَهُمُّ
فَما يَهُمُّ الآنَ أن تَمْضي لِمَوتِكَ
في مَهَابَةْ
———
في التِّيهِ نَمْضِي
عاجِزينَ عن الوصولِ
ومُمْعِنينَ بِتيهِنا
مُسْتسلِمينَ
وقانِعينَ بِما تيَسَّرَ مِنْ تَعَبْ
ومُجفَّفينَ على البيادِرِ
مثل أعوادِ القَصَبْ !
في التِّيهِ
تَكْتَمِلُ الصَّلاةُ على البِلادِ
ويخْتَفي نَزَقُ الغضبْ
ويَصيرُ أكبرُ ما يُؤرِّقُ نومًنا
حُلمُ الهَرَبْ
هلْ يا تُرانا ما نَزالُ نَلوكُ أمْجادَ العرَبْ؟!
في التِّيهِ
تختَلِفُ الجِهاتُ
وتَصغُرُ الدُّنيا
وتُمحى مِنْ دفاتِرِنا الّلغاتُ
في التِّيهِ
ينْكَسِرُ الكلامْ ..
فاقْرأ على فَمِكَ السَّلامْ
فاقْرأْ على فَمِكَ السَّلامْ !
———
في التِّيهِ
لا أُفُقاً تَراهُ سِوى الغِيابْ
وأراكَ تَحمِلُ رأسَكَ المَقطوعَ
تَبْحثُ عن غُرابْ
لنْ يأتي يأجوجٌ إليكَ
فلا تَكُنْ عبدَ التُّرابْ
لنْ يأتي مأجوجٌ لِيَبتلِعَ البِلاد
فاخْلَعْ حِذاءَ الخوفِ
وانْفُضْ عن كَواهِلِكَ الخَرابْ
لا تنسَ وجهَكَ في حقيبَتِكَ الوضيعَةِ
رُبَّما لنْ تَسْتَعيدَ خُطاكَ إنْ أزهَقْتَها
خلفَ السَّرابْ
في التِّيهِ
لا صوتٌ سِوى صوتُ الذُّبابْ !
يتساقطُ المَوتى هُناكَ كأغْنِياتٍ تافِهاتٍ
ينتهونَ كَفِكْرَةٍ عَبَرتْ
كَسَطْرٍ في كِتابْ
فاشْرَبْ دُخانَكَ وابْتَعِدْ
قَدَرُ المُسافِرِ أن يَظَلَّ مُعَتَّقاً
بِدَمِ البِلادِ
مُعَلَّقاً بفمِ السّحابْ !
قَدُرُ المُسافِرِ يا صديقَ التِّيهِ
أنْ يغفو على وشَكِ الكتابةْ
في آخِرِ اليومِ المُطَرَّزِ بالكآبةْ
يبكي على وطَنٍ
لِكي ينجو ..
يَنامُ على جَنابَةْ !!

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!