قراءة في رواية: تلك الأزمنة. بقلم أحمد العربي. سوريا

لصحيفة آفاق حرة

 

قراءة في رواية: تلك الأزمنة.

الكاتب: معبد الحسون.

مخطوط، ٢٠٢٢م.

بقلم. أحمد العربي. سوريا

 

معبد الحسون روائي سوري ينتمي للثورة، قرأت له أغلب أعماله الروائية.

تلك الأزمنة رواية معبد الحسون الجديدة، تستمر في متابعة ما اسميه: “ملحمة الرقة” مدينته التي مازال يغوص عميقا في تفاصيلها، بشغف وصوفية واستغراق المحبين.

الرقة المدينة العامرة بناسها، ما زال الزمان ذاته حيث الثورة السورية، وبداية انتصار الثوار على النظام ومحاصرة الثوار للسجن المدني المركزي في الرقة، الذي استمر لاشهر طويلة.

السجن الذي يحوي السجناء المدنيين، والمتبقي عصيا على السقوط بيد الثوار. العلاقات البينية بين حرّاسه و الثوار المحاصرين له. تمرير المواد الغذائية للسجن، تبادل المصالح، وولادة الكثير من الشخصيات الملتبسة التي تظهر في هكذا أوقات ليكون لها دور في تسيير الأمور وحل كل القضايا المستعصية لتستمر الحياة رغم الحصار.

في السجن تركز الرواية على شخصية كمال ومنه وعبره تمر على كثير من الشخصيات داخل السجن. المجرمين العاديين وقضاياهم. وادعاء اغلبهم بأنه بريء وظهور مجرمين في رقابهم الكثير من القتلى، لا مصلحة  للنظام ولا للثوار بخروج هؤلاء الى الحياة العادية، ولم ينل كل منهم حبسه المحكوم به.

تتوالى الحكايا ويجلس على منصة البوح كثيرون، وعبر هذا البوح نتغلغل نحن كقراء في عوالم هؤلاء الأشخاص والمجتمع والحياة. وعبرها ايضا ينقل لنا معبد الحسون الكثير من رآه وفلسفته في الحياة، نزعته الصوفية، العقلانية، القيمية، الاخلاقية، مع تفهم عميق لما يعيشه الإنسان وما يصدر عنه بعد ذلك.

كمال يتواصل عبر نافذة الأنترنت الفيسبوك وغيره مع العالم الخارجي. حيث اصبح العالم الافتراضي عالم موازي آخر حاضر بقوة تزيد عن العالم الواقعي في كثير من الأحيان. يتواصل مع ماريا ويتناقشون في كثير من شؤون الحياة، وسرعان ما يعبرون إلى حياتهم الخاصة، تختبئ وراء اسم سري، تحدثه عن تفاصيل حياتها، نعرف نحن حقيقة البنى المجتمعية الظالمة للمرأة عموما، وكيف تكافح المرأة لتصنع لها حياة أقرب ما تكون إلى حقوقها ومطالبها المجتمعية.

ينفك الحصار حول السجن، يأخذه الثوار، وينسحب النظام تاركا السجن والسجناء على حالهم. يبدأ الثوار بالإفراج عن السجناء لاعتبارات مختلفة، و بالمحصلة النهائية يفرج عنهم كلهم.

يخرج كمال من السجن ويعود الى الرقة المحررة، لكن لا تكتمل الفرحة، حيث ينتقل النظام الى العنف الاعمى بالقصف والتدمير وجوا وبرا للمدينة. الرقة التي سيطرت عليها داعش بعد ذلك وانتقلت حياة الناس إلى جحيم آخر. داعش التي احتكرت تفسيرا خاصا لها للدين الإسلامي استباح حياة الناس وهدرها، والعالم الذي صمت عن عنف النظام ووحشيته، انتقل ليحارب داعش وكانت الرقة هدفه الأول، تدمير وقصف وقتل اصاب المدينة وحولها إلى خراب، الناس هربوا الى كل الجهات، المهم أن يغادروا مدينة الموت الحتمي.

غادر كمال مع أحد أبناء المدينة رجل عادي مدمن للخمر حمله على عربة وغادر معه الى قرية مجاورة وهناك فارق الحياة، كل فرد من أهل الرقة له حق الحياة وحق البوح بما يعتمل في نفسه وما عاش وما يحب أن يعيش، كل انسان هو كون من الحياة يستحق أن يوضع تحت الضوء وأن يقول انا هنا وموجود ولي كل الحقوق التي هدرها العالم كله عبر صمته عن النظام المجرم الاستبدادي، وبيدهم يوم ادعوا أنهم يحاربون الإرهاب فقتلوا البشر وهجروهم ودمروا المدينة.

تنتهي الرواية وكمال وماريا والاخرين يغادرون الى تركيا او بلاد لجوء اخرى تاركين الرقة وسوريا تعيش عارها ودمارها وآلامها ولا من مغيث…

في التعقيب على الرواية اقول:

معبد الحسون مخلص لسوريا وطنه ولأهلها الشعب، وهو ينتصر لهم عبر التحدث عن ذاته المتعينة بينهم في مدينته الرقة، وبين أناسها اهله، ومع كل تفصيل عاشه وكل شخص تعرّف عليه، اصبحوا معالم ذهنية ووجدانية، يستحضرها مع كثير من الوعي المكتسب لمعبد الحسون، الوعي العلمي والفلسفي والسياسي وخبرات الحياة، ليعيد كتابة تاريخ الرقة باناسها البسطاء أبناء وبنات واباء وامهات الثورة، أصحابها وضحايا قمعها، منارات الذات التي تأبى أن تخبو وهي تعيد إحياء كل شيء…

ليكن في سوريا الكثير من معبد الحسون ينيرون مدن وبلدات سوريا الثورة والناس والحياة ويفعلون مثلما فعل.

 

 

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!