جلس في آخر نهار عمل مرهق ليرتاح على أرجوحة وضعت خلف بيت العائلة ، على رقعة خضراء ، سعت والدته جاهدة لزراعتها ببعض النباتات المنزلية البسيطة ، فكانت عونا لهم على صعوبات الحياة ، وبينما هو جالس فإذا ببصره يقع على نملة ، تحاول نقل حبة قمح تبلغ ضعف وزنها ، وفي كل مرة تحملها برهة ثم تسقط ، وبقيت على هذا الحال بين نهوض وسقوط وسير الهوينى تمكنت أخيرا من إيصالها إلى معسكر النمل الخاص بها.
أخذ يحدث نفسه : أعجزت أن أكون كهذه النملة صاحبة العزم الصابرة ، المحققة لطموحها في نهاية المطاف ؟!
استجمع قوته ولملم شتات نفسه وأحكم زمام أمره قائلا :
لن يخوض أحد سواك معاركك
أنت وحدك من يمتلك القوة والإرادة لخوض غمار الكون ، دون وهن أو عجز أو تردد
وإن صفعتك الحياة على خدك الأيمن ، اجعل من ذلك دعامة وسندا لا يلين
تسلح بلب وهمة وقدرة على الصمود ، فمهما تكالبت عليك الخطوب وحاصرتك وانشبت أظفارها في روحك بشراسة ووحشية ، قف ثابتا كأشجار نخيل حولية ، تصد كل ريح وإعصار وعاصفة.
كن معطاء كحقول قمح وسنابل ، صافيا كقطرات مطر طاهرة في ساعات الفجر الأولى.
فليكن قلبك دافئا ، يشع بأريج المحبة والأمل.
كن أنت بكل تفاصيلك وملامحك العذبة ، كنبع ماء يشق طريقه بين الصخور القاسية.
وهكذا بدأت حياته بالتغير نحو الأفضل ، وكانت نهاية ليل الهم ، فجر مشرق بالحيوية والنشاط.