مذ غبتِ..
ويرتجفُ البابُ على صدرِ الحائط
_ الحائطِ الرطب من البكاء _
البابُ الذي كنتِ تسقينَه أناملكِ من مقبضِه
صارَ يجرُ قدميهِ على الأرض
من حزنه تئن المفاصلُ في لحم الحائط
مذ غبتِ..
والجدار سقطت عيناهُ لقدميه
_ الجدار الموشومُ عند سُرّتِه بأصابعِ تعبك _
يذرف أشواقه ملحًا
يذوبُ من تحته طوبةً طوبة
وحين تهبُ ريحُ عناقٍ خفيفةٍ
يحضُنه الباب ..
الباب الآنّة مفاصله في لحمّهِ
ثم يسافرانِ في انهدامٍ معا
مذ غبتِ..
والترابُ يضاجع الأواني العقيمة
الأواني التي كانت خصيبةً
وتنجب طبخاتِ ناضجةَ المذاق
كلّما تقبّلها يداكِ
الأواني التي عانقت النارَ بفرحٍ
لتحظى بابتسامةِ عينكِ
حين تفوح في البيتِ رائحةُ الطعام
التراب يُلحِفُ الكتبَ المرتجفةَ
من وحدتها فوق الأرففِ المغيّبة
مذ غبتِ..
والوسائد الطفلةُ بلغت يأس اليأس
ماتت برحمها أجنّة أحلامٍ قريبةُ المخاض
بينما لا زالت عيني ترويها بالدموع
الوسائد المحشوةُ بقطنِ روحكِ، سلّت
وصارت تلازمُ للأبدِ السرير
السريرِ الطافي فوق غيابكِ
كعرشِ ربٍ ماتَ فوق الماء
مذ غبتِ…
والنوافذ مصابةً بالصرع،
ترطمُ وجهها بالجدار
_ الجدار الموشوم عند سرّته بأصابع تعبك _
ثم تُعدّد آهاتها على مسمعِ الريحِ الأسيفة
النوافذ التي كانت تهللُ في الصباحِ
حين يتشققُ جفناكِ كبيضةٍ تفقس
فيرى الشمسَ تخرجُ جنينًا صارخًا بالنور
مذ غبتِ..
وبلاطُ البيتِ تجعّد شعره وامتلأت رأسه
بقشرةِ الفراغِ من قدميك
وأحبالُ الغسيل جفّت في عيونها الملابس
تنظرُ للفضاءِ
كما ينظرُ شهيدُ له طفلةٌ يتيمة
مذ غبتِ..
غابتْ عن الحياةِ الحياةُ!!