في عام 2009 أمضيت جزءا من الإجازة في منتجع صحي في قرية تشيكية تسمى (كليمكوفسكي) تقع في شرق التشيك بالقرب من مدينة (أوسترافا) ثالثة المدن التشيكية حجما وسكانا. وإذ ذاك التقيت بالعديد من إخوتنا الكويتيين الذين جاؤوا للعلاج أو الاسترخاء، وقد ذكروا لي حينها أن في سلوفاكيا – الجزء المنفصل من جمهورية تشيكو سلوفاكيا – مدينة صغيرة تعج بالمنتجعات الصحية والعلاج الطبيعي تسمى (بيشتاني)، وأن معظم مرتاديها من الأجانب في الصيف هم أبناء الكويت، حتى إن الخطوط الكويتية آنذاك كانت تسير رحلة يومية من الكويت إلى هذه المدينة الصغيرة!..
وحين قررت السفر هذا العام لتجديد الخلايا واستعادة النشاط البدني صوَّبت نظري نحو هذه المدينة فماذا رأيت؟!
تبعد مدينة بيشتاني من العاصمة السلوفاكية (برتسلافا) حوالي خمسة وثمانين كيلا ومن مطار فيينا أقل من مائة وخمسين كيلا. ولأن مطار برتسلافا لا يصل إليه معظم طيران الشرق الأوسط فإن غالبية زوار سلوفاكيا وبيشتاني خاصة يتجهون إلى مطار فيينا، وفي مطار فيينا خيارات متعددة للانتقال إلى سلوفاكيا بالوسائل الخاصة والعامة.
المدينة صغيرة جدا تتألف من مركز لا يتجاوز الكيلو متر المربع تتجمع فيه الفنادق والمقاهي والأسواق، وفيها أطراف عبارة عن أحياء مجاورة وضواحي وقرى ملاصقة لمن أراد الراحة والهدوء من صخب المركز..
تشتهر بيشتاني بالصناعات الحرفية وبالنحت خاصة، وهي مدينة تعنى بالفنون بمختلف ألوانها، وفي حدائقها تقام المسارح للحفلات الموسيقية أمام الجمهور، وقد سميت بعض شوارعها بأسماء فنانين وشعراء سواء أكان لهم علاقة بالمدينة أم لم تكن مثل العالمي (بيتهوفن) ومثل (إيفان كراسكو) هذا الشاعر السلوفاكي الذي اختار بيشتاني مقرا له بعد تقاعده حتى وفاته فقدره أهل هذه المدينة بأن أبقوا داره متحفا يضم أعماله ويحتفظ بسجل حياته!.
يخترق بيشتاني نهر (فاه) الذي يتحول جنوب المدينة إلى بحيرة قبل أن يعود مرة ثانية لاستعادة شكله الطبعي هذا النهر يتفرع منه فرع منحن أشبه ما يكون بالدائرة ليشكل جزيرة قوامها الأشجار الخضراء الباسقة والحدائق الغناء المنسقة، وهذه
الجزيرة استثمرت أفضل استثمار فأصبحت جزيرة صحية كما يطلق عليهاSpa Island ليس فيها مساكن مطلقا سوى عدد من الفنادق ومصحات العلاج الطبيعي..
ومن ميزات جمهورية سلوفاكيا – وبيشتاني خاصة – موقعها المتوسط بين خمس دول سياحية هي التشيك والنمسا من الغرب، وهنغاريا من الجنوب، وأوكرانيا من الشرق، وبولندا من الشمال، ويكفي يوم واحد – كيوم الأحد – للالتحاق بفوج سياحي إلى أي من بورنو، أوسترافا، فيينا، بودابست، كراكوف أو حتى إلى وارسو!
في بيشتاني يمثل الكويتيون جالية كبيرة منهم من أقام إقامة دائمة فاشترى الفلل أو الشقق ومنهم من استغل وجوده وأنشأ استثمارات وأسس شركات، ومنهم من يقضي العطلة المدرسية الصيفية كاملة بكامل أفراد عائلته.. حيثما اتجهت أو مكثت فلن تفقد اللهجة الكويتية ولن تشعر إلا وكأنك في (حولّي) أو (كيفان)! فمقاعد المقاهي ممتلئة بهم وكراسي الحدائق كذلك وقد اتخذوا مع طول المكث والتردد ديوانيات في زوايا محددة من الشوارع والتقاطعات يلتقون فيها بشكل يومي..
الذي لم أجد له تفسيرا أمران؛ الأول ما سر وجود الكويتيين – دون الجنسيات الأخرى – بهذه الكثافة؟ وأرجو أن أجد الإجابة يوما ما من أحد إخوتنا الكويتيين!..
أما الأمر الثاني الملفت للانتباه فهو رخص أسعار هذه المدينة؛ ليس مقارنة بالبلدان الأوروبية فحسب، بل وحتى ببلدان الشرق الأوسط، ولماذا لم ترتفع أسعار المواد التموينية والخدمات تبعا لوجود الكويتيين كما تفعل معظم البلدان – شرقا وغربا – التي يرتادها الخليجيون؟!
وأظن هذا لا يحتاج إجابة من الكويتيين بل منا نحن.. فالكويتيون أقدم منا ضربا في البلاد للتكسب في الماضي وللسياحة مؤخرا، وبالتالي أقدر على معرفة حقوقهم كسائحين!!