تَرْنِيْمةُ النِّيل/بقلم:محمد الجعمي

عَانَقْتُ يَا مِصْرُ فِيكِ الأهْلَ وَالوطَنَا
غَازَلتُ صَنعَا وَأهْدَيْتُ المُنَى عَدَنَا

في مِيعَةِ الصُّبحِ كَانَ النِّيلُ مُبْتَسِمًا
يُرَاقِصُ النُّورَ وَالأَموَاجَ وَالسُّفُنَا

عَنَادِلُ الحُبِّ تَشْدُو وَهْيَ رَاقِصَةٌ
على الضِّفَافِ يُحاكِي شدوُهَا الزَّمَنَا

وَ كُنتُ أبْحَثُ عَنْ شَيءٍ أَلُوذُ بهِ
كَنَازِحٍ مُدنِفٍ عَنْ أرْضِهِ ظَعَنَا

فَمَا وَجَدْتُ لِهَمْسِ الذِّكْرَياتِ صَدَىً
ولا لِرَجْعِ الأَغَانِي وَالمُنَى وَطَنَا

كانَ الصّبَاحُ جَمِيلاً حَسْبَ عَادتهِ
والنّيلُ يمسحُ عَنْ أحْدَاقهِ الوَسَنَا

وَكَانَ قلبي يُنَاجِي طَيفَ غَائِبَةٍ
وَالشِّعرُ يُذْكِي الأسَى وَالشَّوقَ والشَّجَنَا

يا رَبَّةَ الحُسنِ مَا في الوَردِ مِنَ عَبَقٍ
وَقَدْ طَوَى البَيْنُ عَنْ أحْدَاقِنَا “عَدَنَا”

يَمُرُّ بَحْرُ ” المُعَلّا ” في مُخَيِّلَتِي
والقلبُ يَا هَنْدُ لا قَفَّى وَلا دَجَنَا

فَمَا رَضيتُ بغيرِ الحبِّ لي وَطَنَا
وَلا ارْتَضَيْتُ سواهُ “في الدُّنَا سَكَنَا

لولاكِ يَا مِصْرُ مَا كُنَّا على سَفَرٍ
يُهَدْهُدُ الشِّعرُ فينا العمرَ وَالزَّمَنَا

“تميمُ” إنِّي أَغْنَى والهوى فَطِنٌ
إِنِ امْرُؤٌ جُنَّ لا يدري بِمَا رَطَنَا

“مالي أحِنُّ” لِمَنْ مَرُّوا على عَجَلٍ
وهل يعيدُ الأسى مَا فاتَ وانْدَفَنَا

والنِّيلُ ما زَالَ يَجْتَرُّ الرُّؤى شَجِنًا
كعاشقٍ كُلّمَا لَجَّ الهَوَى ذَعَنَا

مَاذَا ؟ وَتَنتَصِبُ الأيَّامُ وَاقفةً
والذّكْرَياتُ طُيوفٌ تحرقُ الوَجَنَا

كَانَ الضَّبَابُ كَثِيفا وَ النَّدَى ثَمِلا
وَالشِّعرُ في ليلةٍ قَمْرَاءَ قد سَخَنَا

في شَارِعِ القَصرِ والأنْسَامُ بَارِدَةٌ
والليلُ فوقَ مِيَاهِ النيلِ قَدْ سَدَنَا

أُلَمْلِمُ العِطرَ مِنْ أنفَاسِ دَاليَةٍ
وَأَطْرُدُ الحُزنَ عَنْ عينيكِ وَالوَهَنَا

أحاولُ الآنَ أن أهديكِ قافيةً
كراهبٍ في دروبِ العَشْقِ قَدْ كَهَنَا

قَصَائِدي في بَرَاري الأرْضِ هَائِمَةٌ
كأنّهَا شَادِنٌ عَنْ أُمِّهِ شَدَنَا

تَطِلُّ من قُنَّةٍ في الرُّوحِ غَافِيةٍ
وَنَبْرَةٍ في صَدَاهَا الوَجْدُ قَدْ كَمَنَا

وَرَوْضَةٍ مِنْ رياضِ الحُبِّ ظامئةٍ
تَستَمطِرُ البَرقَ وَالغيمَ الذي عَنَنَا

وَتَرتَجِي بَعدَ أيَّامِ الأسَى أمَلَاً
تَستَجدِي النَّارَ وَالزَّنْدَ الذي هَجَنَا

تقولُ من أيَنَ يَا هَذَا فيغمرني
دفءُ المكانِ وَيُزجِي شَجْوُهَا الشَّجَنَا

مَّرتْ على البَالِ وَالأقمَارُ سَابِحَةٌ
تُبَلِّلُ الرُّوحَ بِالصّبرِ الَّذِي وَدَنَا

وَلَوَّعَهُ الشَّوقِ في الأسْفَارِ لاَذِعَةٌ
يا نِيلُ أدْمَتْ تَبَارِيحُ النَّوَى الوَجنا

“ريمٌ على القاعِ” وَالألحانُ في شَجَنٍ
وَ الشعرُ يا نِيلُ يَبكِي الشَّامَ واليَمَنَا

لإِنَّهَا مِصْرُ تُقصِي الظلمَ سَطْوَتُهَا
في كَفَّةِ العدلِ كَمْ مِيزَانُهَا وَزَنَا

كُلُّ الفُراتَاتِ تَهْفُو وَهْيَ ظَامِئَةٌ
وَ النِّيلُ يا مِصرُ يَرْوِي الرُّوحَ والبَدَنَا

يا مِصْرُ كَمْ شَعَّ في أحْدَاقِنَا قَمَرٌ
لَكِنَّهُ قَبْلَ أن يُهْدِي الضِّيَا شَطَنَا

عُرُوبةُ الشِّعرِ لَنْ تَخْبُو أَعِنَّتُهَا
كأنّهَا عَارِضٌ بالغيثِ قَدْ هَتَنَا

“ريمٌ على القاعِ “يا “شَوْقِي” تُذَكّرُنِي
أَحْلَى المَواعِيدِ فَيهَا الشِّعرُ قَدْ سَكَنَا

إمَارَةُ الشِّعرِ مِنْ مِصْرِ الهَوَى ائْتَلَقَتْ
فَهَامَ في سِحْرِهَا التَّارِيخُ وَافْتَتَنَا

وَفَجْرُ أمْجَادِنَا مِنْ نُوْرِهَا اِنْبَثَقَتْ
شَمُوْسُهُ وَعَلَى شُطَّانِهَا عَدَنَا

جُوْدِي على الصَّبِّ مَا فِي الحُبِّ مِنْ نَزَقٍ
فإنهُ القلبُ إن فاحَ الشَّذَا رَجَنَا

يا مِصْرُ ” لَيْتَ الليالي وَهْيَ مُدبِرَةٌ”
تَركْنَ بَعضَ النَّدَى وَالأُنْسَ وَالدَّدَنَا

وَلَيْتَ من أوْغَلُوا في البُعدِ ما ابْتَعَدُوا
وَالبَحْرُ لَمْ يَرْسِلِ الأمْوَاجَ وَالسُّفُنَا

************************

احتفاءً بايلول المجيد، الذكرى الثانية والسبعين لثورة مصر 23 يوليو 1952م

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!