سنواتٌ مستعملةٌ/ بقلم:.حيدر غراس (العراق)

أبحثُ في سوقِ الخُردةِ عن سنواتٍ مستعملةٍ للبيعِ، أشارَ لي أحدهُم لبسطَةٍ تقعُ في ركنٍ قَصيٍّ، رحتُ أفوجُ بين الأكتافِ المُثقَلةِ بأحمالِها، أتطلَّع وجوهً كالِحةً تَسبقُني الخطوَ هناك
أتوهُ في الزِّحامِ، لا أحداً يعبأُ هنا بردِّ السَّلام، همهماتٌ مخنوقةٌ دون أثرٍ لوجيبِ الكلامِ
صوتٌ مشروخٌ يتعالى من عربةِ الصَّوتِ (استرجعْ سنواتِكَ، استذكرْ حكاياتِكَ،
استعضْ عمّا فاتَك قبلَ أجلِكَ وموعدِ مماتِكَ)
هل لديك سنةً ضوئيَّةً مستعملةً للبيعِ؟
كان خطابي لرجلِ البسطةِ الصّغيرِ
شريطةَ ألا تعملَ بالوقودِ
لا تفقهُ شيئاً من سُننِ التَّشريعِ والعهودِ
طويلةٌ كليلِ العراقِ
قصيرةٌ كأعمارِ الورودِ
وإن لم يكنْ
هل لديك سنةٌ خاليةٌ من بساطيلَ الجنودِ، بلا جواربَ مثقوبةٍ
بين طياتِ قماصلِها رسائلٌ لم تصلْ وصورٌ لحبيباتٍ أكلتْ فرواتِ رؤسهِنَّ حُقنُ الأشعاعِ والمصلِ
وأن لم يكنْ
لابأس بسنةٍ هاربة خارج الحدود
لا بأس بسنة منزوعةِ الثِّيابِ، لا تدركُ تخرُّصاتِ الفاعلِ
لا تعبأُ بجبرِ الكسرِ و حاصلِ ضربِ الخواصرَ وطرحِ أرقامِ الحسابِ
لا تدركُ رتابةَ الايّامِ، لا تفقهُ تخرُّصاتِ أهلِ الحرفِ، حملةِ الأقلامِ
هل لديك سنةٌ تأكلُ الفكرةَ
تشربُ نخبَ الأملِ
تبيضُ بقنِّ الدَّجلِ
تتبوَّلُ على قشِّ الإبرةِ بلا خوفٍ ووجلٍ.؟
قال ماعملُك:
قلتُ :
أعملُ في سِرْكٍ كبير ٍلترويضِ الفهودِ
حارَ البائعُ الصَّغيرُ
قال لديَّ سنةً سيِّئةَ السُمعةِ
تعملُ في النَّهارِ بائعةً للجرائدَ
وفي المساءِ راقصةً تُخفى ضحكتِها بين الدَّمعةِ والدَّمعةِ
في صرَّتِها مرآةٌ مشروخةٌ
على سرَّتها ينمو عشبَ الأحلامِ.
واذا لم ترُقْكَ
لديَّ سنةٌ خاليةٌ من النَّكبةِ
لكنها وغيرُ آسفٍ لمفردتي
(قحبةٌ ابنةُ قحبةٍ)
ضاجعَ شحمتَها كلُّ بُغاةِ السَّاسة ِ
ترَّهَّلَ فخذُ عجيزتها من فرطِ الإيابِ والذهابِ
تدفنُ خرائِها بالتُّرابِ
تهشُّ الذبابَ بمهشِّ الذبابِ.
تركتُه ومضيتُ،
وأنا أرضعُ إصبعي ومن خلفي صوتٌ ينادي(موطني موطني)!

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!