جلس إلى مكتبه كعادته كلما جالت في ذهنه فكرة ما وهو يرى فيها موضوع نص أدبي قد يكون قصة.. أخذ يعبث بأزرار لوح الكتابة لعله يطلق العنان لما في نفسه.. لم يستطع تجاوز الكلمة الأولى التي رنت في خلده..
تساءل مع نفسه..
– لماذا هجرتني الحروف والألفاظ والأفكار؟ بدت لي تلك الكلمة بداية لعمل ما ..قصة..رواية..خاطرة. لكن سرعان ما تتلاشى كالضباب أمام اكتساح أشعة الشمس لها.
أسند ظهره على كرسيه ووضع يديه متشبكتين خلف رأسه..تذكر ما قرأه من إنتاجات أدبية باللغات التي يتقن، ولأدباء مختلفين.. وتذكر كيف كانت انطلاقة بعضهم في الكتابة.. لم تكن جوان كاثلين صاحبة هاري بوتر كاتبة لكن الفكرة التي راودتها وهي في المرحاض كانت بمثابة الغيث الذي لم ينقطع نفعه حتى أنبتت وأزهرت وكست مروج إبداعها كل عقول عشاقها..كانت كلمات قليلات في قطعة من الورق الصحي احتفظت بها في حقيبتها الصغيرة.
نظر إلى سقف غرفة المكتب ركز في نقطة محددة وهمس في نفسه..
– هكذا كان يفعل العلماء والمفكرون والأدباء.. ينظرون إلى السقف فيأتيهم الإلهام من حيث لا يحتسبون..
لاشئ.. ينابيع أفكاره نضبت، ويبست كل الكلمات على طرف لسانه ولم يتمكن من تسويد شاشة حاسوبه ولو ببضعة أسطر.
– لم أعش هذه الوضعية من قبل، أنا الذي كانت أقلامي سيالة تدر الحروف والأفكار كما تدر البقرة الحليب من ضرعها..
يلتفت إلى ما وضع على جانب مكتبه من إصدارات اقتناها حديثا من معرض الكتاب.. قلب صفحاتها ونظر إلى بعض فقراتها نظرة عشوائية..أحس بالملل والضجر.
– ماهذا ؟ كيف يستطيع هؤلاء كتابة كل هذه التفاهات ونشرها؟
أليس من بينهم كاتب رشيد، يعطي للكلمة معناها وللأفكار مواقعها وللمعاني رقيها وقيمتها…
تجول قليلا في غرفة المكتب. وقف هنيهة أمام صفوف الكتب المرتبة بكل عناية على الرفوف وهو ينتقل بعينيه في قراءة عناوينها ..أحيانا يخطئ في القراءة.. مافائدة كل هذه الكواغيط المتراكمة هنا .. وكر الغبار والأردة… سأتخلص منها قريبا وأحول المكتبة إلى غرفة جلوس فسيحة وأضع في مكان الكتب “تلفازا سمارت” أتسلى به وأستمتع بالأخبار والأفلام والأغاني والمشاهد الطبيعية وأتفرج على قنوات اليوتوب بشكل أكثر وضوحا… يهمس لنفسه.
يعود إلى مكتبه ويهم بالكتابة ربما لمعت أفكار في ذهنه وأسرع إلى الحاسوب عله يعتقلها قبل انسلالها، وينطلق في كتابة قصته.
لاشئ
بقي عنوان ما كان ينوي كتابته وحيدا في أعلى شاشة الحاسوب..
نظر إلى العنوان أنزله إلى وسط الشاشة. عدله لتصبح حروفه ذات سمك بين….
.