رقصة الريح مع جوربي / صورايا قواسم الجزائر

 

 

ذات خريف ، ضاعت مني فردة جوربي من على حبل الغسيل ، وأخذتها الريح إلى حيث لا أدري ، حزنت كثيرا على ضياعها ، لا أحب أن تضيع أشيائي وبالأخص أن يضيع جزءا منها ، ماذا سأفعل بالفردة المتبقية  ؟

أصنع بها دمية صوفية مثلا ؟ أخبيء فيها بعض من النقود ؟ أرميها ؟

في الحقيقة لم تكن تهمني الفردة التي بقيت  منشورة  على حبل الغسيل فهي لازلت  ترقص مع الريح ، ولكن الفردة الأخرى التي ذهبت مع الريح ، مع أول هبوب له ، أين ذهبت ياترى ؟

ما قيمتها الأن وهي وحيدة ؟ من سيهتم لها ، ومن سيهتم بها ؟

ما نفعها ؟

الشتاء على الأبواب ، ستفقد ماهيتها ومهنتها ، الجوارب  والقفازات لن تكون إلا ثنائية ، لا تقبل بالتجزئة وإن ضاعت فردة ضاعت كلها ، ماقيمة الكل بالضياع الجزء ؟!

على الأقل هكذا يبدو لنا الأمر في البداية ، تشجعت وتجرعت قليلا من الأمل ، وقررت أن أخرج من بيتي ، وأذهب في رحلة البحث عن جوربي فهي من أشيائي ، يجب أن أسترجعها أو على الأقل أسعى لذلك ، خرجت من الشرفة ، مسرح الجريمة التي حدثت منذ قليل ، وإتجهت صوب الباب ، وعند فتحه ، ضحكت في قرارة نفسي وقلت : ماذا ستفعلين ؟

تخرجين للبحث عن فردة جورب عشقها الريح وأخذها  أمام عينيك ، و رقص معها التانغو بعيدا عنك ؟ فهو يظنها له ، بالطبع لطبعه الأناني ، ولكن لا يعلم أن لها توأم روحها لازالت معلقة ، يراقصها الريح نفسه رقصة مغايرة ، لا ،  هو يعلم أنهما توأم الروح  فقط برقصته هذه  يريد أن يجرّب وفائهما لبعضهما البعض ، ومدى إخلاصهما ، ولكن رغم ذلك سأخرج ، سألحق بها ، سأبحث عنها ، لا يمكن أن أسمح في أغراضي بهذه البساطة ، ركضت وركضت ، وكلي أمال في أن أجدها ،  قبل أن تداس بأرجل في يوم من الأيام كانت الواقية لهم ، وأن تدنس بأحذية مصنوعة من جلد فاسد ،  المهم في كل هذا فردة جوربي القطني التي أخذها مني الريح عنوة ، ركضتُ ، ثم توقفت ، لأني تذكرت أن الريح لم يكن يومها كعداء كينيي أو جمايكي ، أو حتى من قارة إفريقيا  ولو من شمالها ، بل كان على ما يبدو سعيدا بغنيمته المسكينة ، يتراقص هنا وهناك ، ويأخذها من يدها ويرقص معها خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء ، يا ليته الوغد أخذهما الإثنين معا ، كنت إرتحت من دور البطولة الذي أقوم به الأن ،فأنا أريد إسترجاع الفردة لفردتها أكثر مما أريد إسترجاعها لقدمي ، رأيتها أخيرا رأيتها هناك ، ليست بعيدة عني بضعة أمتار فقط تفصلنا عنها ، ولكن يبدو وكأن الريح تخلص منها ، فهي لا يمكنها أن تسير بدونه او بدون قدمي ، هي واقفة بل جالسة بل نائمة ، يبدو أن الريح أتعبها في أخر رقصة لهما مع بعض ،لا أذكر أبدا أني رقصت وأنا أرتدي الجوارب ، أذكر مرة رقصت على أنغام الفلامينكو بمسرح وهران ، واااو  كانت سهرة لا تنسى ، ولكن بالكعب العالي ، للحظة أحسست وكأني في إسبانيا ، صديقتي التي كنت أرقص معها لم تكن تعلم وقتها أني أظنها أنطونيو بونديراس  ، الفردة ، الفردة  ، ماذا لو أعجبتها  الرقصة مع الريح وأرادت التخلص من توأمها ؟ يا إلهي فلماذا كل هذا العناء ، وهذا الركض ، ولكنه رحل عنها وتركها هناك ، كمعطوبي حب ، مبتوري الوفاء ، لم يبق لي إلا بضع خطوات وأتلتقطها ، وأعيدها إلى عشها ، خطوة واحدة هذا كل ماتبقى ، إلتقطتها يد أخرى غير يدي ، وليست يد الريح ، يا إلهي من ؟

هو ، نعم يد لرجل ، أخذها ، خبأها بجيبه إنتهى أمرها وأمر الفردة المعلقة هناك ، وبالتالي أمري .

لكن ماذا سيفعل بها ؟

إنها فردة واحدة وحيدة ، لعب بها الريح ، وتوأمها ينتظرها على حبل الغسيل ،  يا له من مبتور الرحمة ، يا إلهي إن رجله مبتورة هو رجل برجل واحدة  ، أنا عاجزة ، عاجزة أمام هذا البتر ، البتر بأشكاله ، نظرت مطولا إلى رجله المبتورة قبل أن أنتبه لغبائي ،كيف سمحت لنفسي أن أركز نظري على شيء غير موجود أصلا ، تأسفت ، تأسفت جدا على الوضع الذي وصلت إليه فردة جوربي ، والفردة المعلقة هناك ،  وعلى وضعي ، وقبلها على وضع الرجل الذي على ما يبدو أنه فقد جزء منه في معركة ما ، أو حادث مرور ، أو ربما ولد هكذا ، مثل  جوربي لعب به الريح حتى فقد جزأه ، لا أستطيع أن أطالبه بالفردة ، لأنه يبدو مقتنعا بدفئها ، مثلما أنا مقتنعة بحاجته لها ، هي لك إذا ، هي لك إذا ، فهي منذ أن صُنعت ، صُنعت لأجلك ، لقدمك .

الريح لا يعبث ، لا يعبث أبدا ، كيف ذلك وهو الذي يُلقح الأزهار والورود ، ويحمل لنا رسائل الشوق ، ويجفف لنا جواربنا ، إذا غابت الشمس ، كل مافعله أخذ فردة الجورب في موكب  راقص إلى صاحبها ،  إلى أكثر شخص هو بحاجة لها.

فقداني لفردة جوربي يومها ، كان درسا لي ، بل درسا كبيرا ، حملت نفسي مرة أخرى ، وعدت إلى بيتي ، إلى شرفتي ، لا أعرف ماذا سأقوله للفردة الأخرى ، ماذا سأقول ؟  سأصارحها وكفى  ، هه ههه هههه ههههه ههههههههههه ، يا إلهي ماذا يحدث ؟  ضاعت فردة جوربي الثانية ، باغتني الريح وأخذها مني  ليرقص معها السامبا هذه المرة ، ابتسمت ، وقلت : كان من الأول ، ولكن الأقدار ، هكذا تأتي مجزأة لتأخذ الكل .

المهم خذوا بالكم من تقاشيركم ، ومن رقصات الريح .

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!