حوار وحديث الموبايل ” باى إنسانية “

 

جريدة آفاق حرة الثقافية

حوار وحديث الموبايل ” باى إنسانية “

بقلم /سميرة داود

في مكان وركن بعيد غير مرئي “بعض الشئ “من ارجاء منزلها .. تجلس الصديقة ملقاة بجسدها على كرسي .. يتخلله دفء المكان.. محاطة بجدرانه .. تنظر في الافق البعيد من وراء زجاج شرفتها .. تتأمل وتنصت بشغف وعشق لمقطوعات من موسيقى حالمة .. تبث في هذا الفضاء المكانى .. تهدأ من روعها .. من زحام أفكارها المتشابكة المتلاحقة .. من تضاد المبادئ بشخوصها المتلونة . تسرح بمخيلتها وترسم صورة لعالم غير عالمنا وزمان غير زماننا .. تحلق بروحها وتغرد في السماء السبع .. وسط السحاب الضبابى .. وامطاره الغزيرة .. وقطرات ماء تتساقط على زجاج شرفة بيتها . تطل براسها وتنظر بعيناها الواسعتين اللامعتين على كوكبنا الأرضى .. “بتكنولوجيته الإيجابية السلبية” .. خاوية خالية من بني الانسان وبشريته المحيرة دوما ” الدافئة احيانا والثلجية احيانا أخرى ” .. عالم ارضى تنحسر فيه الانسانيات وتخلو تدريجيا من دفء العلاقات .. مشاعر الرحمة .. امان الروح والقلوب “افاتنا المجتمعية ” . نظرت نظرة الطائر المحلق فتراءى لها عن كثب .. بيت من زجاج بداخله اجهزة تكنولوجية وروبوت لا يقف ساكنا .. يتحرك حركة دائبة لخدمة من يسكن هذا المكان الثلجى .. تتوسطه منضدة معدة باشكال مختلفة من أطعمة غذائية .. لم نراها من قبل نحن بني البشر .. محاطة بكراسي من حديد .. يجلس عليها ثلاثة من اجهزة الموبايل .. ليتناولوا معا طعام الغذاء . يتحاورون يتجادلون بشفرة كلمات الكترونية .. يتسامرون فتعلوا ضحكاتهم الآلية الثلجية .. يتصادقون يتعاطفون بمشاعر موبايلية . ودار حوار وحديث الكترونى . الموبايل الأول…. مساء اللايكات .. هل استطيع الجلوس على الكرسي لتناول طعام الغذاء معكم .. أفتقدكم كثيرا . الموبايل الثاني ….. مائة في المائة الموبايل الثالث ….. نعم . الموبايل الثاني ….. تأخرت عن موعدي كثيرا .. ساتناول غذائي في عجالة وامضي . الموبايل الأول …. لايك. الموبايل الثالث …. اوك . الموبايل الثالث …. أرغب فيمن يساندني ، يشد من ازري .. هل لدى احدكما ثمة وقت للذهاب معي الى عيادة الطبيب مساءا . الموبايل الأول …. لا . الموبايل الثاني …. سافكر في الأمر . الموبايل الأول … اشعر بضيق .. اريد ان افضفض معكم عما يجول بخاطري. الموبايل الثاني …. ليس لدى وقت كاف . الموبايل الثالث …. لدى دقيقة واحدة .. تفضل سريعا . الروبوت …. هلا انتهيتم من تناول طعام الغذاء ؟ الموبايل الأول …. نعم . الموبايل الثاني …. صح . الموبايل الثالث …. مائة في المائة . افاقت الصديقة الجالسة بعيدا في ركن من اركان منزلها بغتة .. وفركت عيناها وتنبهت لصوت إنسان قادم من الغرفة المجاورة يحمل بين يديه جهاز موبايل .. لا يرفع عيناه من على شاشته .. وكأنه آلة متحركة بصوت وكلمات ومشاعر الكترونية .. وساءها ما رأته . ادركت للتو ان هذا العالم عالمنا .. وأن الزمان زماننا .. وأن المكان مكاننا . لقد قتلنا في انفسنا عمدا رقى المشاعر الإنسانية وصدقها . “بيدي لا بيد عمرو”. ولا عزاء لكم ولنا وللاجيال القادمة .” باي إنسانية ” .

About ناصر ميسر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!