لصحيفة آفاق حرة
_______________
الشياح حي جنوب درعا قريب من الحدود الاردنيه افرزه القصف على منازل المدنيين بدرعا بيوته متباعده جداً .
اغلب اراضيه مزروعة باشجار الزيتون .
قال تعالى : يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) الحج..
عزفٌ على أوتار الحياة … مشاهدٌ أكَّدَتْ مُرّ الحدث .
هل لنا أن نقول هذه قصه؟
أم حقيقه انسلخت من جلد المعاناة ….؟ انها أحداثٌ دارت حول محور المغزل بألوانها المختلفه لتغزل كل الظروف الآفل منها والقادم المُنْتَظَرْ …….
أهلنا في درعا :
لقد تحولت حياتكم بين عشيةٍ وضحاها الى كابوس.. أصبحت عبارة “ولا في الافلام”.. التي تدل على الاستحالة والغرابة معاً .. لكن الذي حصل فيها وعلى أهلنا في العشرة ايامٍ الاخيره اكثر من الاستحالة والغرابه، دون مبالغة كانت تجليات الجحيم؛ فكما ان الجحيم يمكنه ان يبدع ويبتكر أشكالاً وتنويعاتٍ للشر المطلق ……..نعم للشر بأفحش وأحقر تجلياته …..
في اليوم الذي “هَجّ” فيه أهلنا من بيوتهم ……بيوتهم التي كانت بيوتاً واصبحت كهشيم المحتضر…… كان مشهداً مُروّعاً. شهدوهُ ….مشهدٍ حُفرَ في ذاكرتهم….. كوشم شاحنةٍ ضخمة توقّفتْ فجأةً على طريقٍ مُعبَّدْ ……، وبدأ بعدها فيضٌ لا نهاية له على طريق المجهول من أطفال ونساء ينزلون من الجحيم باتجاه الجنوب نحو الشياح المؤدي الى الحدود مع الاردن ……..والكل يردد عبارة:
محظوظٌ مَن يُدفن….محظوظٌ مَن يجد أهله جثته ….أو حتى نِتفاً منها ليدفنوها……
لامكان آمن فوق الارض …..على الجميع ان يحتمي بنفسه وبأطفاله من هذا الجحيم المسلط على رقابهم….
فالحكاية !؟
أحزن من أن تروى ……وأثقل من أن تبقى حبيسة الذاكرة ……وحين تكون كل المدن موحشة …..فلا مفر من الحزن ……ولا مهرب من الخيبة…..ونعود للهيب الجحيم القادم من كل الاتجاهات ……حتى السماء تمطر على اهلنا حممَ براكين
لاتنقطع …….ونتساءل كم تكفينا من العزيمةِ حتى نعي بأنّ هذا الوجع لا يخلق اتزان بينَ عواطفنا وعقولنا …….وأننا .لانزال في منتصف المسافة …….مابين القهر وَالنحيب…….
تعب اللهاث وراء المجهول بحثاً عن مستقبل أبنائنا….. .
أطرافنا اعتراها الصقيع ……والأضلُع ترتجفْ عطشَى’ لأن تضُمَّ بقايا الغائب من أوطاننا…..اوطانٌ تحتضرُ دون ناسها واهلها …..والموت على أرصفة الطرقات….. بلا ثمن ……وبمعول صُنعَ من تلكَ الشجره وصانعُ المعول من اهلنا …..فالمعاناة مؤلمةٌ…..والإكتظاظ يزداد تزاحماً….وكل الاحداث تشي بأن قلوبنا آيلٌة للسقوط ……
موجعٌ بحقٍ أن نغفو على أمل……
ونصحو على شوقٍ وفقدْ……
اصدقائي :
بعض هؤلاء الفارين من الموت كانوا قد نزحوا مُسبقاً من درعاالمحطه ……وحاولوا بناء حياة أو ما يُشبه الحياة في “الشياح”……..ثم وجدوا أنفسهم مضطرين للنزوح ثانية……..كما لو أن قَدَرهم أن يجوبوا الآفاق سدىً….نزوحٌ تلو نزوح أو نازح ويُعيد……
دائماً هناك نبضة تغير القلوب…….
هناك كلمة لا تموت ….وذكرى لا تنسى…..
هناك دمعة تساوي عمراً …..ونظرة تختصر الكثير…
وهناك أماكن لا نغادرها مهما ابتعدنا…..
وأناس لا نودعهم مهما أبعدتنا المسافات عنهم………
فالحزنُ لا يصغر والفرحُ لا يكبرْ……
ففي حياتنا دائماً …..لحظات وعلامات فارقة من كل شيء …..
اصدقائي :
غصّت أرض الشياح بالهاربين من الموت …..لكن الأفظع أن رائحة الكارثة فاحت….. حين بدأت الصواريخ تنهال عليهم …..وأدى سقوطها إلى إحداث حالةٍ من الذهول والذعر لدى الجميع ……وعددهم بعشرات الآلاف …… وبدأ سؤال يتفجّر من النظرات والشفاه المُلتصقةُ بصمغ الخوف…..إلى أين سنهجّ ؟
لم يبقَ مكان في حوران إلا تحوّل إلى جحيم……أمطرتهُ الصواريخُ والبراميلِ المتفجرة ، وهذه الاشباح الطائره…..
فحين تقف في أول البلد….. ترى آخر نقطه فيها……لأنها مدمّرة تماماً. …..لا شيء يعيق نظرك عن رؤية نهايتها”. ……هذه حال بلدنا درعا …..اصبح كما هو ريف حلب …..ودير الزور وإدلب ….لم يبق من وهم أمانٍ سوى الاردنْ ……فإلى أين سينزح سكانه …..إذا انفجر وتحوّل كغيره إلى جحيم لاسمح الله…..؟ لا مكان آخر…….لا يابسة آمنة……لا أبالغ ولا أسخر……لكن المستحيل هو الذي يحصل في بلدي درعا ….وفي بلدنا سوريا عامةً ……
هذه الذكريات تُنهِكُ الروحَ بِحملٍ يُثقِلُ الكاهل ….فلا يقوى بحملها …..فالدمع وسيلة….والصبر حيلة…..وكلٌّ القلوب مرتعشةٌ وبها تميدُ الدروب……
مؤلم أن ننتزع الشعور من بين أضلعنا……
وأصعبُ من ذلك أن نعترف ….بالجرح ….و اﻷلم ….ونتوكَّؤُ على جراحنا …..ونمضي الى المجهول .
اصدقائي :
العديدُ من العائلاتِ نزحت ….وما كادوا يلتقطون أنفاسهم ….ويرممون خراب نفوسهم ….ويلملمون ما تبقى من أمل باستقرار وعيش تحت سقف ……حتى وجدوا أنفسهم كالعصافير المذعورة مضطرة للهجرة ثانية ….إلى منطقة لا أحد يعلم إن كانت آمنة….ومتى سيقرّر المتحكّمون بمصيرها وقف هذا الرعاف من انوفنا…. فمدينتنا درعا وكل سوريا…. فوهة بركان ثائر…… فوقه قدر ماءٍ وحصى يغلي من قلة الطعام….أين أنت ياعمر تملأْ قدرهم .
اصدقائي :
زلزال متكرر على مقياس رختر من 7 هرتز فما فوق يهز بيوتنا في اربد رغم بعد المسافة بيننا …..لكن قلوبنا قريبةٌ من اهلنا …..تعتصر دماً لكل ارتجاجٍ يرتجف لهُ قلبنا….. حزناً واساً ومواساة لأهلنا……
أسراب الموت الطائرة ….جعلت من سماء بلدنا مسرحاً كرنفالياً لجيئتها وذهابها ……نسمع من هنا ازيز محركاتها….. لاحيلة لنا…..
وبعدها ترتج بنا بيوتنا ….والعمارات التي حولنا…..رغم البعد الشاسع بيننا…. .
اثناء زيارتنا لبلدنا …..اعاد أهلنا تصوير المشهد لنا …..واسمعونا صدى صوت الطائرات وصدى صواريخها ……والراجمات والفيل والبراميل والحاويات ……وهذا ماشهدنا نتائجه باعيننا ….من نتائج ماكنا نسمع بلد بلا اهل ….وبلا عمارات ….وبلا بنيةٍ تحتيه ….اعادتها القاذفات الروسية الحديثة الى خراب ينعق فيه الموت ……اعادوا لنا ايام مغولهم وتتارهم …..هجَّ شعبنا …..والهجاج كلمةٌ لاتكفي …..اين المفر إلى الغرب ….ام الى الشرق …..يمكن مافي فرق …..ام اي اتجاه آمنٍ يستوعب هذا الحشد من اطفالنا ونسائنا …….الى الشياح ياأعزاءنا……. ومنها الى الحدود قد تكون مأمناً لنا ……
اين المفر ياأحبابنا….
صغارنا لاتقوى على السير ……واجسادنا لم تعد تحتمل اوزار حَملهم وحملنا ….اي حافلة تمر من جانبنا…. نستودعها عددٌ من اطفالنا …..من هم لانعرف ….من نحن ….ضاع عقلنا…. لم نعد نعرفُ ذاتنا ولا بعضنا ….المهم ان يُحْملَ الاطفال ويبتعدوا عن هذا الجحيم الطائر فوقنا ….
يسأل احدهم :
من اين قادمٌ ياصاحبي …..من الغرب الى الشرق …..وانت ياأخي من الشرق الى الغرب …..
صوب الغرب أم صوب الشرق يمكن مافي فرق ……
الكل على رؤوسهم الطير …..
لماذا هذه التناقضات في التوجه …..
الحشد قادمٌ من الشرق نحونا ….لا بل الحشد قادم من الغرب نحونا ……’صرنا نتصور الحشد سيهطل من السماء كسجيل بركانٍ حاقد أين المفر ياأهلنا…..!؟
قالها احد الرعاة :
خذ كل اغنامي ياأخي دون مقابل وارحني من مسؤليتها….
وآخر يعرض ابقاره بثمنٍ رمزي بخس …..وآخرون فقدوا فلذة اكبادهم ….بعد ان اودعوها بحافلات لايعرفون اصحابها ….ولا اين تتجه ……
انه يوم حشر حقيقي …..
احد ابناء شقيقتي …..وكان خامس الشهداء من ابنائها ……القت قاذفة السوخوي حمولتها على الهاربين من الموت في طريق الشياح …..فكان نصيبه منها الشهادة وجرح العديد من الهاربين …..
أين المفر ياأحبتي ؟
بيوتنا ارضها تراب …..وسقفها اوراق واغصان اشجار الزيتون …..
واثاثنا الارض ولحفنا السماء…… نحن واطفالنا ونساءنا ….
لطفك ياألله بنا وبمن معنا …….من اخوتنا وابناء بلدتنا لمن المشتكى ياربنا ……هذه أحوالنا…العقارب والافاعي خطر آخر يجانبنا…..
في اليوم الحادي عشر لمأساتنا ……توقفت آلة الموت عن قصفنا ……فمن كان داؤنا نجده اليوم دواؤنا ……استفقنا وأعادت ادراجها الى رؤوسنا عقولنا …..الكل يبحث ….والكل يلملم اشياءه وابناءه وممتلكاته……. الوجوه وجوه اموات شاحبةًعادت من مقابرها ….
صبرنا الله وصبركم في محنتكم ياأهلنا .
دمتم اصدقائي ودامت ايامكم وكل اوقاتكم .
__________
درعا / سوريا