آفاق حرة
فراس حج محمد/ فلسطين
لا تغترّي بما أنتِ عليه اليوم من حضور وصور، ربما وراءه الكارثة، أتريدين معرفة شيء من الحقيقة؟ اقرئي على مهل هذه الرسالة، ولا تكابري واعترفي أنك كنتِ أسوأ مما كتبتُ، ولكن قرري أن تكوني أفضل مما يتوقعون.
ما دمت “صبية حلوة”، وتمتلكين جسدا منحوتا كريستاليا وتخضعين بالقول أبشركِ فقد وصلتِ، لا يهمّ بعدها الموهبة والقدرة على الكتابة، ثقي بقدراتك الجنسية فقط، فهي كل ما يلزم في مجتمع “الذئاب الثقافي”، سيكون الكلّ في خدمتك؛ الوزيرُ، والمديرُ، والكاتب الكبيرُ، والمحرر النحريرُ، ولن يسلم من الحَوْم حولك الأمين العامّ السياسي الثقافيّ، فمن مهامه التي لن يتردد في إتقانها والترويج لها رعايتك والانتباه لموهبتك الجنسية الباذخة.
عندما يتقدم بك العمر ويكون كل تاريخك الأدبي مبنياً على لحم جسمك، سيذهب هذا التاريخ إذ يفقد هذا الجسم قدرته على الإغواء والإرضاء والإرضاع والإشباع، وستكون مخلفاتك الورقية، المسمّاة “كتباً”، أسوأ من فضلات هذا الجسم الذي تلقين بها على عجل في بيتك الخارجي الداخلي. ستجدين نفسك وحيدة بليدة عارية باردة لا تشفع لك الصور ولا تحضنك طيوف الشامتين الذي كانوا يلوكون لحمك في السرير، ويأكلون سمعتك على رنين كاساتهم في المقاهي، ويمسحون مؤخراتهم بصفحات كتبك البائسة. حتى هذا الجسم ستكتشفين أنه أصبح قطعة من الخشب المنخور بالسوس، ملوثاً بلعاب الذباب والبعوض والعناكب واليعاسيب.
لن تسمعي من هؤلاء الذئاب إلا المدح الذي سيفضي بفخذيك ألعوبة بين أفخاذهم، وبنهديك أرجوحة بين أيديهم وأفواههم، سيغررون بك باسم الحرية والحداثة والثورة والتمرد، وسيطلقون عليك ألقابا جوفاء، لا معنى لها ولا هم يؤمنون بها إلا بقدر ما تكشفين به عن جسمك الماسيّ المشبع شهوة ونشوة ودفئاً. سيرضون عنك ما دمت تدغدغين فحولتهم العمياء الوحشية التي لا تعرف الحضارة ولا احترام إنسانية الإنسان، سيكونون نسويين أكثر من أيّ نسوية عالمية ما دمت على مرمى هدف، صباحا ومساء، ومتاحة، وممنوحة في كل وقت، ستصبحين ليس لك من حياتك وعمرك نصيب، ستكونين لهم وحدهم، ليس لك منكِ شيء، كلك للريح ومع الريح.
فكري بالابتعاد قليلا، ولاحظي المأتم الذي سيصنعونه، ستكونين معجماً لرداءة الأفكار والألفاظ وتكرارها، واعوجاج الأساليب وابتذالها، فليس معك شيء، ضحلة، سافلة، هكذا مرة واحدة سيكتشفون حقيقتك التي أخفوها عنك زمنا طويلا من أجل أن يتمتعوا بك المتعة العابرة.
لا تحاولي أن تشني عليهم حربا، لأنك لا تستطيعين فعل ذلك، فقد جردوك من أسلحتك كلها، حتّى اللغة سلبوها منكِ، وجردوك قبل ذلك وبعده من ملابسك وألبسوك أجسادهم وأشبعوك على موائدهم وأرْوُوك بكؤوس نبيذهم وعرقهم وماء ظهورهم. فماذا معك أنت أيتها المسكينة بعد أن أصبحت كومة من رماد لتحاربيهم؟
عليك لمواجهتهم أمران أن تنتحري أو أن تقتليهم جميعا حتى لا تقع الأخريات بالشرك الذي وقعت فيه، أو عليك أن ترضَيْ بهذه النتيجة التي وصلت إليها بعد عمر طويل حافل بالكذب ونفاق الجمال الجسدي العابر بسرعة نحو صحرائك الذابلة.
ليس لديك الآن أي قدرة على إحداث ثورة عارمة، ولن تكوني قادرة على اجتراح البطولة والشهادة والتطهر من أجل هذا الانتقام المحمود النوايا. بائس وضعك بلا شك، ولكنّ الأبأس هو أن تراك الأخريات ملقاة على الرصيف عارية باكية باردة ويشتمنك وهن ذاهبات إلى ممارسة “الرذيلة الثقافية” مع آخرين يشبهون أولئك الذين ازدردوا لحمك وكسروا عظمك وجردوك من ملابسك. اعتقدن كما اعتقدت أنهن سيصبحن أديبات كبيرات لو مارسن “العهر الثقافي” مع كبار الكتّاب.
قد لا أكتبُ لك رسالة أخرى، آملا أن تقرئي رسالتي هذه، ربما أعدتِ التفكير في حياتك كلها. فثمة ما هو أهم من الوهم؛ إنها الحقيقة، ابحثي عن الحقيقة أو اصنعيها بعيدا عنهم جميعا، فهم ليسوا مصدرا موثوقا للكاتبات الناشئات لأنْ يكُنّ على قيد الحياة والكتابة الجيدة. بل ربما قتلوهنّ لو شعروا أنهنّ سينافسنهم على تصدّر المشهد واستحواذهن على الصورة وسرقة الضوء والأضواء والشهرة، عندها ستعرفين من هو العدوّ الأول والحقيقي للمرأة الكاتبة.