لصحيفة آفاق حرة:
وقفات مع (غابريل غارسيا ماركيز)
(1)
بقلم – محمد فتحي المقداد
هذه الفترة كنتُ غارقا في القراءة بمتعة تفوق الوصف؛ أخذتني في عوالم لم أكن لأحلم بها، وماذا سأقول: بوصف روايتي (خريف البطريرك، والحب في زمن الكوليرا- جارسيا ماركيز)؟ . وقبل ثلاث سنوات قرأت روايته (مئة عام من العزلة). الآن اكتملت بذهني أشياء كانت غامضة حين قرأت (مئة عام من العزلة)؛ فهذه الرواية التي نالت جائزة نوبل للآداب 1982م.
قبل شهر تقريبا، أثناء قراءتي لروايته (خريف البطريرك) عرفت أنه توقف عن متابعة الكتابة فيها، وذهب لكتابة عمله (مئة عام من العزلة)، وبعد ذلك عاد لتكملة (خريف البطريرك). والتي هي سيرة دكتاتور سفّاح مميز، حكم البلاد لما يقارب المئة عام. ومارس كل أنواع القتل والسحل، ودخلت البلاد في نفق مظلم من الفساد والروتين الممل، لم يبق شيء هناك على حاله أبدًا.
وبدا لي بعدما استغربت توقف العمل في الرواية، والانتقال لعمل روائي آخر، إلا لأن مجيء دكتاتور لم يكن بالأمر السهل، إذا لم يكن هناك مقدمات وتمهيد لذلك. هذه الفجوة في ذهن الكاتب ملأتها (مئة عام من العزلة) منذ فترة الاستعمار الأوربي للأمريكتين، والصراعات الإستعمارية، والصراع وعلى الحكم. هو ما ممهد لمجيء دكتاتور بالحجم الموصوف في (خريف البطريرك).
هاتان الرواياتان جاءتا بنفس الأسلوب الكتابي (التفريع والتشعيف)، والحجم الضخم للمادة التأريخية جعل حمل رواية (مئة عام من العزلة) مادة معرفية دسمة، تعريفية بالمكان والبشر والعادات والتقاليد والاعتقادات والأساطير، من خلال سيرة (آل بوينديا)، أهل المكان الأصليين.
بينما جاءت رواية(الحب في زمن الكوليرا) مختلفة تماما بأسلوبها الأسهل للقارئ. من خلال تسلسل أحداثها بيسر وسهولة. وهي نقلة أدبية أخرى في أدب (ماركيز) الغني بتنوعه، ويبدو أنها مرحلة أخرى في حياة شعوب دول الكاريبي، الذين عانوا من الاستعمار بداية، والذي مهد لدكتاتوريات خادمة لمصالحه، ولم تستقر الحياة وتنعم بالرفاه، إلا ليجيء المرض الوباء، ويكتمل الثالوث القذر القاتل (الاستعمار+ الظلم+ الوباء).