نجاة الزباير تركب سفن المجهول؛ باحثة عن افتقاد َخارج الزمن؛ تحدد ملامح وطن مهجور من رماد ؛ لم يتشكل بعد في عمر سجنته غباب التمرد والامتلاك.
في كل خطاب تختفي ملامح الكاتب؛ تتضمر نواياه لتروي عطش وجود بصيغة لا يفهَها القارئ العادي الذي يعبر سطور الحروف والكلمات؛ بهوى ان لا يتفنن في إدراك كل ما انشطر في ثنيايا المعاني التي تتسرب في ماء النص. نجاةالزباير عندما أسست لنفسها وجودا؛ رسمت معالمه في جغرافية رسالة مَجهولة؛ ترسلها هادفة رجلا عابرا في مسعاها؛ من خلاله تحدد موقعا لذاتها؛ فيه تحدد معالم أسرارها؛ خارجه لاشيء تدخله في الممكن الذي كان يوما ما روحا تقتل شفرات الفراغ. رسالة إلى رجل ما؛ هي عبارة نتلقاها بمعان عدة؛ في البداية تضع المذكر الخشن في المجهول الهارب من انفلاتاتها؛ كما هي اعتراف ضمني بأن الآخر؛ فيها مجرد ذكرى عابرة خارجة من اللازمن؛ كما هي رمز مشفر بأن الآخر مجرد لحظة غير معروف انتماؤاتها؛ فقررت بذلك تحديدا كمعنى للصياغات التي دفعتها ان لا تعترف بقوة في ذاك الذي اخترقها ولم تستطع نسياته رغم محاولتها إخراجه منها؛ فجعلت منه نكرة عامة مقصودة في وعيها. تصنع حوارية توهم الحاضر فتجعله جزءا من تأويلها العميق؛ تحيى فيه عندما ينام فيها؛ كما تقتله في دوامة الإفتراق الذي لازمها بدون ان تكون موافقة على صياغة موضوع تجليها؛ فاصبح الكلام غير مباح؛ غير مسعف؛ لا يلائم في ديار عمر بلا روافد؛ تسجنه في ذاكرتها ؛ يصبح حياة ينام على سرير البياض الذي سرب أحلامها؛ فصارت تتمرد نحوه بدون إخباره هو المعني في مسيرتها. تعزف سامفونية الكتابة. ليصبح ماء فيها؛ تتربص على مزاج ملامحه؛ تضعه رمزا بين فواصلها؛ فتقاوم ما استوطن نبضها ليخرج منها كالهواء يحمل ماتبقى من ابتسامتها؛ تقول :
رسالة إلى رجل ما …
قال لي :
لنحيا ونمت معًا
فقتلنا الفراق معًا
تصوغه في فهمها بتنحي خاص؛ تراه ممكنا في زوالها؛ لا شيء لها بعد اليوم اصبح قادرا على إقناعها بضرورة التساؤل حول أشكال إرتباطها برجل لا تعرفه؛ ؛ بعدها قررته فراغا في احلامها؛ ضياعات في ابتسامتها؛ غروبا في زمنها؛ رغبة في نشوئها؛ وحياة في موتها. لم تعد تسأل عن معان غابرة في ضجيج هذا العبور الذي جعلها نكرة في فقدانها؛ فجعلت منه نكرة حتمية في كل دوامات التي التي مازالت تتذكرها؛ تقول:
لماذا تهرب الحروف من دواة العمر نحو ديارك؟، أسجنها فوق البياض لكنها تتمرد علي، وتسافر بي نحوك.
وكلما عزفتُ على أوتار الماء، رقصتْ ملامحك بين الفواصل، أحاول مقاومة سحرها لكنها تستوطن نبضي.
اصبح الهروب حقيقة. لازمة لكل تفكيرها؛ لأنه رغم محاولتها وضعه في خانة التجاهل والنسيان؛ أصبح كله فيها؛ سواء شاءت ام خرجت من تذكراتها المجهولة. تقول:
أهرب نحو شباك هواك، أطل على ما كان منك ومني، وأنتظر مساءً يحمل في طياته عطرك، لكن حكايات العالم المجنون التي تتقمص وجه الليل تخاصرني ، تفاهات هنا وهناك، وحزن يطرق بقبضته القوية قلوبا هزمتها الحياة.
لتضع نفسها في خانات لاحصر لها من العدم؛ مرة تهرب بدون ان تلتفت إليه؛ مرة أخرى يصبح سجين شباك قلبها؛ يطل عليها من تنهادتها؛ من جرحها المنسي يخرج كل الارتباكات التي لم تعد صالحة في شجونها ؛. ومن ماضيها المهجور يعيد كتابة ماضاع من نظراتها القاتلة؛ ومرات عديدة يقاوم هواها؛ يتسرب من ثناياها عشقا بلا محددات؛ فتوقف نسيم العواصف التي لم تعد صالحة في مجراتها؛ تقول:
وَ هَا أنا هُنا …
أصافح بريد البُعد الذي يُنادم هواي، وأنت مقيم بين ثنايا هذا العشق، تسامره مرات ، وتهجره أخرى…
لم لا تنتهي هذه العواصف ؟..
امرأة مختلفة؛ لا مجال لذاك الرماد الذي كان يوما ما ماءا في اختياراتها؛ رجاء في عهدها؛ الذي مازلات تحمله كلما شاءت الأقدار ان تعود إليه لتتذكره في نكرانها الأ بدي؛ في تطلعاتها المنسية والغابرة؛ كل شيء اصبح مجهولا في تعلقها به؛ في ارتباطها برجل لا تعرفه؛ لكنها تراسله ليخرج من أبديتها الحالمة في زمن غير مرغوب فيه. لذاك اصبحت كما تقول:
فأنا لا أرتدي غير قميص الرعشة
وهذا الرماد الجاثم أمام يراعي
يفتح لي أزرار أسراره
لكني كلما بنيتُ سطرا
خذلتني الذكرى
فلماذا هذا السواد القاتم يخنقني؟
تنتهي قصتها بسواد دائم؛ وبحلم مريض وبنهاية ترسم رجاء الاختناق؛ مداده رماد جاتم؛ يراعي ذكرى خذلها النسيان؛ وتجاهلها السواد الذي اكثر من اختناقها لتعود إليه برسالة حلمها :
نسيان ابدي.
تجاهل دائم..
وموت يرسم وطن أحلامها المخنوقة؛ الموجهة اليه في رسالة كلماتها من رماد الافتقاد.