أنا لديّ حلم
للكاتب الصيني شي يمينغ
ترجمة عاصف الخالدي
إصدار دار فضاءات للنشر والتوزيع-عمان- ط١- ٢٠٢٢
سليم النجار
اختتم الكاتب الصيني كتابه بالحديث عن خاتمة الحلم الذي يريد، وفق ثنائية الرؤية والقدرة، والتي انتقلت بصناعيّة الفعل والإيمان إلى ثنائية الصين والإنسان، وذلك على مستوى التجربة الفكرية ككل وفق شي يمينغ، وهو ما يجعل موضوع هذا الكتاب ارتيادًا للمناطق الشائكة التي يتهيّب الكثيرون الاقتراب منها، فهذا يعتبر قيمة أخرى تضاف إلى قائمة القيم التي استهدفها الكتاب، وإن كان من خلاصة هنا، فهي غوص يمينغ في هوامش الفقر، العدو الأول للحلم، ويعد هذا العمل في ذاته ذكيًّا، حيث استطاع الكاتب بدأب ومثابرة أن ينتج منتجه الخاص في سياق من الرؤية الإنسانية الرفيعة، حيث ورد في الكتاب: “الأحلام لا تستسلم أبدًا، الخطوات لا تتوقّف أبدًا، طالما تعمل بجد، يمكن تحقيق كلّ الأشياء الجيدة، طالما أنّنا نعمل بجدّ، فإنّ الحلم الصيني بالتجديد العظيم للأمة الصينية سيتحقّق بالتأكيد، وسيتحقّق حلم العالم بالسلام الدائم والازدهار المشترك”.
استطاع الكاتب في عدد قليل من الصفحات في المقدمة ومطلع الفصل الأول، أن يكشف عن هدفه من الكتاب في نسق حجاجي شفيف، اعتمد فيه على التحليل للحلم الصيني، حيث ورد: “أعتقد أن تحقيق التجديد العظيم للأمة الصينية هو أعظم حلم للأمة الصينية في العصر الحديث، إنّه يعكس الرغبة العزيزة منذ زمن طويل لأجيال عديدة من الشعب الصيني، ويعكس المصالح العامة للأمة الصينية والشعب الصيني، وهو التوقّع المشترك لكل ابن وابنة صينية”.
وبعيدًا عن أهمية لجوء الكاتب في الفصل الثاني إلى ثنائية النفسي والثقافي، والتي تعتبر أساسًا للحلم الصيني، لتجلية مفهوم التجربة المعرفيّة لدى يمينغ وجدواها في هذا السياق، هناك ما استوقفني مطوَّلًا، إذ وُصفت تلك التجربة بأنها مجموعة قصص، حيث ورد: “لجعل الحلم حقيقة، يجب أن تعتمد على العمل الجاد، هناك أيضًا العديد من الأساطير في الصين التي تعكس بوضوح، الروح القتاليّة المستمرة للشعب الصيني، ومنها أسطورة طائر جينوي، وتحكي الأسطورة أنَّ الابنة الصغرى للزعيم القبلي باندي شينونج في العصور القديمة، وكان اسمها نوا، كانت ذات يوم تلعب على الشاطئ وغرقت بالخطأ، وبعد وفاتها، تحوّلت إلى جينوي (طائر حراسة)، وكل يوم كانت تأخذ الحجارة والفروع من مصب الجبل، في محاولة لتحقيق التوازن المائي للبحر، وعلى الرغم من وجود القليل من الأمل، واصل طائر جينوي عمله عامًا بعد عام، يومًا بعد يوم، ينتقل باستمرار ذهابًا وإيابًا بين البحر والجبال، مؤمنًا أنّه بالمثابرة والتصميم، سينجح ذات يوم”.
إلّا أنّني وجدت بعض الصعوبة في قياس فكرة الوعي في هذا السياق، ناهيك عن طبيعة عمقها، فهذا الأمر -إن أحسنت الفهم- كان على مستوى جسارة حضور الذات المبصرة للكاتب شي يمينغ على مدار الفصل الثالث، حيث ورد: “إذا كان تجديد شباب الأمة الصينية يُفهم ببساطة على أنّه تجديد لفترة تاريخية محددة، فإنّ هذا الفهم ضيّق وغير دقيق، المعنى الحقيقي لتجديد شباب الأمة الصينية هو متابعة اتجاه التاريخ ومواكبة تطورات العصر، كان للأمة الصينية ذات مرة مكانة رائدة في العالم لفترة طويلة، لكنّها تراجعت لفترة من الوقت، والسبب وراء هذا التراجع هو عدم مواكبة متطلّبات التطوّر في العصر والاتجاهات التاريخية”.
ما يشغلني في الفصل الرابع، طبيعة الخطاب والسؤال، بدءًا من اقتناص فكرة البحث التي تبدو لي جديدة ومدهشة، إلى الإنصات لكل ما يدور في خلد الكاتب، “الهدف الدقيق للدعم هو حلّ مشكلة “من يدعم؟”، ويمكن ذلك من خلال الذهاب إلى القرى والأسر في أماكن مختلفة، وإجراء تحقيقات وبحوث متعمّقة، وبتنفيذ إدارة موحّدة لأهداف التخفيف من حدّة الفقر، من خلال إنشاء ملفات وبطاقات على أساس اكتشاف أهداف التخفيف من حدة الفقر، الترتيب الدقيق للمشروع، والاستخدام الدقيق للأموال، والتدابير الدقيقة للأسر تمثّل حلّ مشكلة “كيفية الدعم”، ومن ثم اعتماد مناهج مختلفة للتخفيف من حدّة الفقر في مناطق مختلفة تتفاوت بينها أسباب ونسب الفقر”.
بدا لي أنّ هذا إضافة جديدة على الخطاب الفكري للكاتب عمومًا، وصولًا إلى الاتّكاء على أفكار بسيطة تبتعد عن التهويم، أفكار قابلة للتحقّق، وتتسّم رؤيته بقدرته على طرح الأفكار بمرونة على امتداد الفكرة ونهايتها، واستيفاء كل ما يجعلها راسخة ومؤثرة، وهذا ما سطره الكاتب في الفصل الخامس: “في العمل على التخفيف من حدّة الفقر، هناك فريق خاص، صحّى الكثير من أعضائه بالحياة الطيبة في المدينة، والوقت يقضونه مع عائلاتهم، وكرّسوا حكمتهم وجهدهم للتخفيف من حدّة الفقر، بل وضحّى البعض بحياتهم”.
وعندما تفكّر أو تتساءل عن هذا الخطاب وماهيّته، تجده في الفصل السادس والأخير من هذا الكتاب، والذي حمل عنوان لافت “ماذا جلب الحلم الصيني للعالم؟”
هنا سأترك للقارئ الحكم على هذا السؤال من خلال اقتباس من خطااب شي جين بينغ: “إنّ الحلم الصيني ليس فقط حلم الشعب الصيني في السعي وراء السعادة، ولكنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأحلام شعوب العالم، في عملية تحقيق الحلم الصيني، ستعمل الصين مع جميع دول العالم للنهوض بالشعوب في جميع البلدان”.
أخيرًا، إنّ كتاب “أنا لديّ حلم” للكاتب الصيني شي يمينغ، هو كتاب ينتج منتجه الخاص في سياق تعريف القارئ أنّ الصين لديها حلم يتوافق مع حلم الإنسان مهما كان دينه أو طائفته أو جنسيته، في مكافحة الفقر والحلم بحياة سعيدة، بعيدًا عن ثقافة القتل والاستقواء على الضعيف.