آفاق حرة
قراءة في رواية: حب في قندهار.
الكاتب: محمد الزهراني.
الناشر: منشورات ضفاف بيروت.
ط١. ورقية. ٢٠١٦.
بقلم. أحمد العربي
حب في قندهار رواية تحاول التأريخ لالتحاق الكثير من الشباب العربي والإسلامي بالحرب في أفغانستان، ضد الوجود الروسي (الاتحاد السوفييتي) في وقتها، وتطور ذلك ليكون مقدمة لتشكيل تنظيم القاعدة الإسلامية الذي ينسب له ضرب الولايات المتحدة الأمريكية في ٢٠٠١، ومن ثم احتلال أفغانستان والعراق وكل التداعيات اللاحقة.
تبدأ الرواية من الحديث عن ثلاثة شبان من السعودية وكيفية التحاقهم بالجهاد في أفغانستان، كلهم يعيشون في المدينة المنورة، “عيد” شاب حصل على الشهادة الثانوية، الاب يعمل سائق تكسي، ظالم وقاسي في معاملة عائلته، وأمه حنونة ومعطاءة، يحلم بإكمال تعليمه لكنه لا يتمكن، يتردد على المسجد وشيخه يشجعه على أن ينضوي مع آخرين في العمل الجهادي الذي بدأ الحديث عنه بكثرة لمحاربة السوفييت الملحدين، الذين احتلوا أفغانستان الدولة المسلمة، وكان النشاط مسكوت عنه من الدولة، ان لم تكن تحض عليه، وعيد بلا أفق علمي أو كعمل، لذلك كان الالتحاق بالعمل الجهادي هو الحل، خاصة مع تجيش نفسي وفكري عن فضل الجهاد وفضل الشهادة وما يترتب عليها من دخول الجنة ورضى الله والعيش في كرمه ونعمه. وكذلك كان الوضع مع “سند” الشاب البدوي الساكن في المدينة المنورة أيضا، والذي عاش الكثير من الأخطاء والسلوكيات السيئة لنفسه ودينه، وكان الالتحاق بالجهاد مخرجا له من حياته الفاسدة السيئة، وأيضا الشاب “سليمان الفاسي” ابن المدينة المنورة ذي الأصول المغربية، المتعمق بالدين والأقرب للتصوف، كذلك استجاب لداعي الجهاد ، وقرر أن يلتحق بالمجاهدين في أفغانستان. وكان هناك شبكات لتحريض الشباب على الجهاد، وأخرى تؤمن انتقالهم إلى هناك عبر باكستان، وأخرى تستقبلهم وتلحقهم بالمعسكرات التدريبية، وتكتشف مؤهلاتهم، فمنهم المجاهد على خط النار، ومنهم من يعمل في الإمداد، والبعض يعمل في التوعية والتعبئة. التقى عيد وسند وسليمان في المدينة المنورة، وتوجهوا إلى أفغانستان عبر باكستان، التي تواجدوا فيها لفترة ، ثم انتقلوا إلى أفغانستان، هناك كان عيد وسند من المقاتلين بعد فترة تدريب، وسليمان كان من المساعدين في الصفوف الخلفية. شارك عيد وسند بالمعارك ضد السوفييت، وأصيب سند إصابة بليغة أدت لبتر رجله، وتعالج وركب له بدلا صناعية، ودارت الايام وانتصر الأفغان على السوفييت تحررت بلدهم، وعاد الشباب الثلاثة إلى بلدهم، ولكن بقوا على تواصل مع أخوتهم المجاهدين و تابعوا أوضاعهم أول بأول. فالبعض انتهت رحلته وتجربته مع الجهاد بالعودة إلى المدينة المنورة، سند وسليمان حيث استقرا وتزوجا وبدأى رحلة حياة مستقرة. أما عيد الذي لم يستطع أن يؤسس لنفسه حياة ويعمل ويتزوج، فقد كان متجاوبا مع من دعوى العودة إلى أفغانستان من أجل الاستمرار بالعمل الجهادي، فقد بدأت تنشأ رؤى وأفكار تتحدث عن الجهاد المستمر إلى قيام الساعة، وأن الجهاد واجب وحق ضد الكفار المختلفين دينيا وفكريا، وكذلك دعوى تكفير الدول والحكومات، وأنها أذناب لامريكا، التي تحولت من كونها مساعدة للجهاد الى العدو الأكبر له، خاصة أنها بدأت تعمل ضد المجاهدين في أفغانستان. رجع عيد إلى أفغانستان مجددا هاربا من ظروفه الخاصة وبحثا عن فرصة أفضل، وتأثر بالدعوى الجهادية بأبعادها الجديدة. وصل إلى هناك ووجد تغييرا في طريقة العمل، والغلو في كل شيء، سواء بالدين أو المعاملة، إخفاء الهوية الشخصية واعتماد الألقاب الحركية، منع التداول بالأحاديث الشخصية، الاعتماد على السرية المطلقة، وخلق أجواء استخبارية تجسسية بين بعضهم. احس عيد أنه إمام نمط عمل غير معروف ، وارتاب به ، وأخذ يفهم انهم هناك للتدريب والتجهيز ليكون لهم أدوار جهادية في بلدانهم، وفي جميع أنحاء العالم، وصار يسمع انهم يعملوا لبناء الخلافة الإسلامية، وإسقاط أنظمة الكفر، ومعنى هذا عند عيد أنه لم يعد يقوم بعمل ترضى عنه الدولة، وقد يكون في وقت ما مطلوب أمنيا ويحاسب ويسجن أيضا. وجد عيد ببعض من معه ممن يتدربون على قتال العصابات والتجسس والاستخبارات، من يخشى هذا المسار الذي عمل به قادة الجهاد، وبدأ ينتقد ويفكر ان يهرب أو ينسحب، لكن اغلبهم أصبح مطلوبا أمنيا لبلاده، لذلك كان استمراره بالعمل مع الجماعات الجهادية هو الحل الوحيد والأخير. عيد كان متشككا دوما من جدوى وصحة هذا المسار، وكان ينتقد بالسر مع البعض هذا المسار، لكنه لم يصل لمرحلة ان ينسحب ويعود لبلاده، رغم شوقه لأمه، لكنه كان مسكونا بإغلاق طرق المستقبل أمامه إن عاد. وبعد فترة من الزمن أُرسل عيد مع بعض المجاهدين لليمن لنصرة الجهاد هناك ضد سلطة لليمن الجنوبي الشيوعية. وسرعان ما عاد إلى أفغانستان، وتأكد له أن هناك توجهات مغالية تعمل لخلق مجموعات جهادية تعمل لمحاربة سلطات دولها، والغرب وامريكا، وتعمل لبناء الخلافة الإسلامية. تبين لعيد ومن معه أن أوضاع أفغانستان استقرت لمصلحة طالبان بقيادة الملا محمد عمر، الذي سيطر على الحكم مبعدا القيادات الجهادية السابقة التي تصارعت على الحكم والمغانم بعد طرد السوفييت. تأكد لعيد ولغيره الكثير، ان المسار الذي يتحرك به المجاهدين في أفغانستان ليس صحيحا، وبدأت تدب الخلافات بينهم، وبدأ يفكر عيد وآخرين بالعودة لبلادهم ولو وقعوا تحت المساءلة، وكان يتواصل أحيانا مع فتاة باكستانية ويتعامل مع عائلتها، واستطاع من خلالهم فهم الكثير مما يحصل ويعي الانحراف الديني والسلوكي لجماعات الجهاد وما سيؤدي له مسارهم. وعندما خطط بشكل جدي للهروب من قندهار حيث هم، كان المسؤولين عنهم أسرع منهم وقبضوا عليه ومعه آخرين ووضعوا بالسجن، ومن ثم حاكموهم واتهموهم بالخروج عن الجماعة وأن مصيرهم سيء، وفي السجن حاولوا الهرب ولم ينجحوا، واستمر سجنهم لأكثر من سنة، حتى جاءت الهجمات على أمريكا في ٢٠٠١، والتي اتهم به المجاهدين العرب الموجودين والمحميين في أفغانستان ومن طالبان، وأدى هذا إلى الحرب الأمريكية على أفغانستان والتي أدت إلى احتلالها من أمريكا وسقوط طالبان. وكان مصير عيد ومن معه الهرب من السجن، والالتحاق بالقبائل الباكستانية، التي ترتاب منهم وتتهمهم كمجاهدين عرب أنهم وراء ما حصل في بلادهم وجوارهم، وسرعان ما يبيعونهم الى الامريكان ويسلموهم لهم.
هنا تنتهي الرواية.
وفي تحليلها نقول: إن الرواية جد مختصرة أقرب للتقارير اليومية المتتالية لوصف حالة تستوجب التوسع والإحاطة بالموضوع من كل جوانبه، سواء بالنسبة للوضع الدولي وقتها والصراع بين المعسكر الغربي ممثلا بأمريكا، وبين المعسكر الشرقي ممثلا بالاتحاد السوفييتي، وكيفية استغلال التجييش الديني برعاية كثير من الدول العربية والإسلامية لخوض معركة ضد الكفار السوفييت، وهي مجرد ستار كاذب ليتجند عشرات آلاف الشباب للذهاب للقتال والموت لمصلحة امريكا، وكيف تورط الكثير من الدعاة الدينيين، والتسهيلات من حكوماتهم لدفع الشباب لهذه الحرب الغير مبرره، وكيف أن هذه المعركة لم تنتهي بتحرير أفغانستان من السوفييت، بل خلقت مشكلتها الخاصة حيث توافد الجهاديين بدعواهم المستحيلة :العمل لبناء الخلافة الإسلامية ومحاربتهم الدول وأمريكا، وبناء منظمتهم القاعدة، وأساليبهم العنفية المسلحة ، التي جعلتهم قتلة وأدوات قتل على مستوى العالم، والذي أدى بعد ذلك لضرب أمريكا ومن ثم احتلال أفغانستان والعراق من قبل امريكا، وولادة تنظيمات متفرعة عن القاعدة مثل النصرة وداعش بعد ذلك، والتي قدمت المبرر لوصم الإسلام بالإرهاب، والمسلمين كإرهابيين، وخاضت كل الدول حربها علينا كمسلمين وعرب، في حرب استغلال وتبعية ونهب دائم، ورعاية ودعم أنظمة استبدادية تابعة لأمريكا والغرب بالمطلق. وكان من تداعيات ذلك وأد الربيع العربي والقضاء عليه ، وبطرق مختلفة.
هكذا كانت حروب الجهاد في افغانستان وعبر خطط الأعداء ونقص وعينا كعرب ومسلمين ، بأخطائنا في السلوك السياسي والمعارك الغير مبررة والخاطئة، وصلنا لما وصلنا اليه.