أهل غزة بين الأسطرة والواقع/ بقلم:تبارك الياسين

(خذ من دمائنا حتى ترضى)
‎قالها أحد المشايخ البعيد جدًا عن طبول الحرب لأهل غزة، لكسب التعاطف المجاني
‎معتبرًا كما الأساطير إن هذا الشعب ودمه قربان للٱلهة
‎وكأن دم الغزي مقدسًا ،و سيحرر هذه الأرض
‎هذا الدم الذي نزفَ فابتل رغيفُ الخبز والحجر والشارع وامتزج بلون البحر والسماء
‎هذا الدم لن ينبتَ شقائق نعمان كما الاساطير بل سينبتُ حسرةً وألمًا لن يزولا
‎أثر الدم لن يزول وليس أثر الفراشة كما قال درويش
‎،أثر الدم الذي التصق بنا كوصمة عار لعجزنا
‎والتصق بهم كندبة، كلما انحنى الزمن نزفت من جديد.
‎عام يمر من الحرب على غزة إثر هجوم السابع من أكتوبر الذي شنته حماس
‎سقطت كل المعايير الدولية والاخلاقية في هذه
‎الحرب وأصبح قطاع غزة مسرحًا للموت المجاني
‎ليحمل الشعب الغزي جريرة ما فعلوه منفذي الهجوم وتبدأ آلة القتل بالحصاد ،لا تفرق بين بريء ومتهم بين كبير وصغير بين مدني ومسلح
‎،بينما تعالت الأصوات من العرب المنذهلة خلال عام تتحدث عن صمود هذا الشعب ضد العدوان
‎الاسرائيلي يطالبون هذا الشعب الأعزل بالصبر حتى ينال النصر
‎المزعوم أمام أعتى الأسلحة الحديثة
‎وكثرت الخطب الرنانة والمقالات ومنشورات على مواقع التواصل الإجتماعي تتحدث عن صمود هذا الشعب ينظرون إليه وكأنه اسطورة قادمة من كتب التاريخ. شعب إذا قتل سيحيا من جديد
‎ويتداولون قصصًا أسطورية ويشبهونهم بها، من
‎جالوت إلى النمرود مرورًا بمعجزات إلهيه أو خرافية
‎ليقنع نفسه أو ربما ليزيح عن كاهله عجزه، ربما ليشعر بنشوة النصر ويشرب نخبه حتى لو كانت من دماء بريئة
‎فهل كان حقًا هذا الشعب صامدًا ام مجبرًا على
‎الصمود؟
‎والحقيقة أن هذا الشعب أُجبر على الصمود، وسقطت كل الأساطير الوهمية التي اختلقها الكثيرون حوله
‎،فهو ليس كالعنقاء الذي سينهض بعد موته
‎،فمن مات قد مات، ومن استطاع أن يدفن فقد نجا فهناك الكثير من الجثث التي مازالت تحت الانقاض
‎وجثث أكلتها القطط وكلاب الشوارع
‎ولم يكونوا البعوضة التي قتلت النمرود و لم يكونوا ابدًا
‎جالوت
‎ولا يملكون بين ايديهم أي معجزة، لا عصا موسى ليشقوا البحر وينجوا
‎ولا يد عيسى ليمسحوا على أمواتهم ليعودوا إلى الحياة
‎تاجر الكثيرون بقضيتهم ووضعها في إطار الأسطرة
‎وبدأت يد المقامرين بهم برسم
‎الموت, يختارون الموتى
‎يعزفون على جثامينهم أغاني الانتصارات
‎(أبيض شعره كيرلي وحلو)
‎لم يكن يوسف جزءًا من أسطورة تم اختلاقها على وسائل التواصل ،كان طفلاً ،مجرد طفل غزي مثله مثل كل الأطفال التي غدرت بهم أسلحة الموت والدمار

‎تعامى البعض عن كل هذا وعن رؤية انكسار العجائز وعن صوت النساء وعويلهن، عن خوف الصغار المعلق في الحناجر
‎وكل ما رأوه وسطروه على صفحاتهم حثهم على الصبر والاحتساب دون أي مراعاة أو فهم لأبسط حقوق الأنسان وهو الحياة، أو حتى المطالبة في الحياة
‎في كل الأساطير كان هناك دائما قربان يقدم للألهة وللاسف هكذا تعامل الجميع مع أهل غزة على أنهم قرابين لا أكثر

‎بدأ تصوير وتصدير قدرة هذا الشعب على إنها قوة خارقة ،العيش في الخيم اعتبروه عملا جبارا وكل ما يصدر عن هذا الشعب حتى لو استطاع أن يشرب فنجان قهوة بعد تعب من نزوح اعتبر بنظرهم عملًا اسطوريا، متناسيين إن قدرة الانسان على البقاء ورغبته في البقاء قد تحول الحجر إلى ماء ليس لانهم أساطير، بل أنهم بشر مثلنا يقاومون الموت بالحياة الحياة التي يراها الاخرون رفاهية بالنسبة
‎اليهم
‎ولأنهم أبناء الحياة لا الموت
‎إن كنا نريد أسطرة الغزي فأنا لا أجد سوى أسطورة سيزيف لهم
‎يحملون أخطاء غيرهم على اكتافهم ويحاولون النجاة

تبارك الياسين

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!