قصتان قصيرتان / بقلم : د, يوسف ميمون/ الجزائر

المقبرة النزل 

 

بعد عشر سنوات لم أزر فيها المقبرة التي تستضيف أهلي فعلتها اليوم ، لقد صارت القبور صغيرة جدا و قريبة كذلك من بعضها البعض ، هذا أخي و بعد خطوتين جدي الذي تراقبه جدتي على بعد شبرين و هناك عمي غاضب على بعد أمتار و شقيقي الآخر يرقبني من بعيد علّني أعرج عليه و رجل آخر يحمل نفس كنيتنا لكنني لم أتبينه بعد ، بين القبر و الآخر كنت أتعثر بأولئك الصبية من خُيّل لي أنهم علامات ترقيم أو فواصل داخل نص الحياة الأخرى          لا أعلم حقا لمَ يُدفنون بعيدا عن ذويهم ، ماذا لو استيقظ أحدهم ليلا فزعا ! المساحة أمست صغيرة حقا هل غادروا الحادهم فجأة ! ألم يعد يطيقنا أحد نحن الأحياء ! أم أن هناك من يكتب نفس النص عنا في الطرف الآخر ! قرعت باب قبر شقيقي بتلك الحصى و طلبت من الله أن يسمح له بالنزول ، متأكد من تعجبه لشكلي و كيف أطلقت شاربي ، يراني كما أراه في صمت و يبتسم ثم يتعجب أحيانا لكنه لا يقدر على الكلام و أعذره على ذلك فشكله يوحي بالصفوة عكس شكل اللؤم فينا ، أخبرني بأنه لفظ آخر أنفاسه على حجر جندي مثله تماما كما رُوي لنا و نادى الآخر لقد مت غرقا ألم تخبرك أمي ! أجبته نعم يا شهيد فارتخى و تنهد براحة ، جدتي كانت تتناقش و جدي حول من سيختارها من زوجاته الثلاث حتى أنها طلبت مني تأجيل زيارتها إلى حين ظفرها بلقب السيدة الأولى ، لا أخفيكم سرا قرأت الفاتحة على شقيقي و جدتي من عشت معهم و عاشرتهم هنا في البيت ثم حاولت الفرار ، لكن نظرة الجميع لي أثناء مغادرتي جعلتني اعتلي ربوة صغيرة تكشف الجميع حيث قرأت فاتحةً بتأنٍ على أرواحهم جميعا ، لا أعلم إن كنت سأزورهم مرة ثانية ! أخشى كثيرا أن لا أجد القبور ، أخشى كثيرا أن يتخذ جدي قراره قبل أن تحضر زوجته الثالثة ، أخشى أن أجد عمي على حاله لازال متضايقا ، أخشى أن يغضب مني أخويّ لأنني لا أجلس معهما في نفس الوقت ، هل حقا أخشى كل هذا ! نعم بل و جل ما أخشاه أن لا أجد ربوة ترضي الجميع ، ااه نسيت أن أشكر الله الذي لطالما سمح للجميع بالنزول ، الله الذي سمح لأرواحنا بالعناق ، شكرا لذلك التراب كذلك على حسن ضيافته ، صدقوني أيها الأموات الجلوس معكم شيق جدا و مثير لكن الطريق إليكم ممل جدا سأذهب علّني أفعل ما تتوقون إليه ، هل صدقتموني ! أنا أمزح بالتأكيد ، لا فرق بيننا غير أننا نكسب الذنوب أكثر فأكثر و عدادكم توقف منذ زمن ، ثم ما رأيكم لو كتبت لكم قائمة من الأمنيات أحضرها معي في الزيارة القادمة تحققونها لي ، أنتم تعرفون الله أكثر مني أليس كذلك ، لا تشمتوا لحظة ، نعم لقد فشلت مقبرة الأحياء هذه في تحقيقها لنا ، لا تتعجب أخي الغريق من هناك كلاهما مقبرة حتى دودنا صار أكثر فوق ، يضحك شقيقي الجندي في صمت ، انتصب أرفع يداي ثم أمسح شعري و أغادر ، كل هذا حدث قبل أن أصعد الربوة ……….. كنت هناك

للصمت صوت 

لا يفضل أن يخز أفكاره لكن الفراغ القاتل حتم عليه فعل ذلك حتى تنتفض قصد إشغاله حينا من هذا الهو ومن هذا العدم , لا مظهر لما يسمى بالحياة حتى أنه يقف على شاهدها يترحم هنا , صار يخالج المشاعر متعديا أملا في ردة فعل ما . السماء مكفهرة تنبئ بثلج بني في الطريق يعطل محرك فراغه, تمردت ساقاه في مشية جهلت مدتها أراد أن يترنح عل الحيلة تنطلي على عقله وينتشي فعلا ! أجلس بينه وبين خلده مسترقا تمتماته وهو يقول هل أعد الحجارة التي أركلها بعرض بطيء كالطفل الذي يعد الخرفان حتى ينام ؟ نعم ولم لا ! خرفان ألا توجد زريبة في الجوار لأناقش أحد الخرفان في أمور البرسيم ؟ وأخبره أن الجميع يحترمه أم جمل أنعته بالأحمق وأكشف له سر ضآلة حجمنا وأنه يتوهم , عقرب أدلها على مركز باستور وأخبرها أن سمها مصل يمكنها المتاجرة به , ضب حتى أقترح عليه زيادة مخرج في جحره حتى لا يتم اصطياده بسهولة  , أن التقي النعام وأتوسلهم أن يحتفظوا بهدارة عندهم , أن أصادف إنسانا وأصارحه برأي كل حيوان فيه , ما جدوى المشي إن كان المنظر سيتكرر ولو بعد ألف ميل حسنا سأقمع التمرد بالنظام , فعلا هو الآن منتصب كفزاعة ترتعش خوفا من أناقتها مستلق على ظهره أغمض عينيه مستدعيا أنيسته التي يخونها كل ما غازلته الفرصة  لكن مخيلته ظلت وفية بقدر خيانته لها , هو يفكر الآن أين سيضع نفسه لكنه متردد تماما كمن عثر على فانوس سحري واستخدمه لطهي الشاي بدل دلكه , هو يهذي من جديد نعم لم لا ! سأنقذ العالم من نيزك يهدد البشرية , سأقف في وجه عرابيد تهم باغتصاب فتاة كل ذنبها أنها واصلت الحياة وسأكون شهما , سأستخدم لفظ الحرية وأحمل لوائها وسأعد بطلا قوميا , سأتقلد منصب رئيس في بلد ما وأمارس خرافة الديمقراطية ديمقراطية وقعت في  غرام دكتاتور شرقي ألزمها المكوث بالبيت ولم كل وجع الرأس هذا ! لم لا اجعلني مستعصيا على أديل بل وسأجعلها تحبني بقدر استحالة هذا , صدقوني لا تجذبني لأنها شقراء أو لأنها جميلة كل الشيء أو لأنها محترمة ولا لون عينيها ولا تسريحة شعرها الخجول ولا حتى تفصيل جسمها الذي يذكرني بالمرأة العربية بعد شهرين من الزواج , حتى ابتسامتها لا أعيرها أية اهتمام بقدر ما أحبها لكل ما ذكرته سابقا تبا كم ترهقني تلك الفتاة , ظل قابعا مكانه تخزه الحجارة في ظهره , جعل من نفسه كل شيء ولم يتغير شيء , ودع أنيسته فاتحا عينيه متنهدا بنفس فاق مواويل صباح فخري , هنا تحديدا مرت غيمة من المشاعر جابت سماء عقله لتستقر ببؤبؤه ذكرى مؤلمة كانت شرارة أعلنت سقوط أول العبرات على جدول الجفون , عبرات تتسلل داخل قناة الفؤاد لتسلكها لتجرف معها بقايا الندم والكآبة المتراكمة ليتنفس الصعداء وتعود المشاعر إلى مجاريها عجبا هل كان يحتاج فقط  لمجرد البكاء

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!