بقلم : عبدالمقصود محمد
( ناقد وكاتب روائى مصرى)
تابعت رحلة الكاتبة الإماراتية تهانى الهاشمى فى الكتابة منذ بدايتها وإختيارها الموفق لفن الرواية فأجادت فيه وأنتجت أربع روايات متميزة هى: “جرف هار”،”حب فى الزحام”،”ياسلام”،”ولاكلمة” ثم أعقبتها بمجموعتها القصصية الأولى التى صدرت عن دائرة الثقافة بالشارقة فى أواخرعام 2018 بعنوان:”تناقضات” وكانت مبدعة ومتميزة وهى تسبح فى نهرالرواية فوجدناها تثقف نفسها وتلم بكل جديد فى مدارس الأدب العالمى وتحاول أن تجدد وترتقى من رواية إلى أخرى فتنوع أساليبها السردية ، ما بين السرد المتأثر بالسيرة الذاتية ( كما فى روايتيها : حب فى الزحام ،وجرف هار) و أسلوب السرد المحكم (كما فى روايتها:ولا كلمة) أوتستخدم أسلوب السرد متعددالأصوات (كما فى روايتها:ياسلام) ولايقف تميزها عند براعة السرد فقط فهى ترسم شخصياتها الروائية بعناية وتنتقى الأحداث الدرامية من حياة شخصياتها ، وتلضمها معا فى حبكة قوية مثيرة تجعل الصراع الدرامى فى الرواية ينمو ويتصاعد ليجسد الرسالة التى تريد توصيلها للقارىء ، وهاهى تأخذنا هذه المرة إلى بستان القصة ، وبنفس روح التجديد والإبداع التى إتبعتها وهى تكتب رواياتها تقدم لنا تهانى الهاشمى فى مجموعتها القصصية الأولى:”تناقضات” رصداً واعياً ومتميزاً لصور من التناقضات التى تسربت إلى حياتنا المعاصرة ، سواء بسبب ضغوط على المرأة العاملة كما فى قصة :”راح فادى” التى تبرزالتناقض الذى تقع فيه “نايلا” عارضة الأزياء ، بين مسئوليتها عن أمها التى تجرى لها عملية جراحية وبين رغبتها فى التمتع بالحياة ، ومن خلال تداخل التفاصيل واستخدام الأوصاف الدقيقة والجمل القصيرة والإيقاع السريع رسمت المؤلفة صورة معبرة عن التناقضات فى حياة المرأة العاملة :”تمط شفتيها وهى تصبغها بلون أحمر قانٍ ،يرن هاتفها الذى تجاهلته منذ ليلة البارحة ، تقرأ الرسالة الأخيرة “شكراً وصل المبلغ”، تحضر زميلتها من قسم الإستقبال لتعلن عن وصول أولى زبوناتها ، تتمايل أمامها مستعرضة جمال جسدها فيما تنظر لها الزبونة بغيظ دفين ، تموج لها خصلات شعرها ، تنهى عملها وتغادر تلك الحقودة السمينة ، فيما تستقرىء نايلا الأرقام فى حسابها البنكى من جديد ، تعض على شفتيها ، وتعيد “ياعذراء” ….
وفى قصة:”امنحها القليل” ترصد تهانى الهاشمى صورة أخرى من تناقضات الضغوط الواقعة على المرأة خصوصاً من تملك طموحاً زائداً ، فالزوج لا يقدر إنشغال وتعب زوجته العاملة ، فيقل التفاهم بينهما ويصل إلى أن يقوم الزوج بطلب يد مخدومته “كايرا” للزواج ، إذ يجدها أكثر حنواً عليه وعلى أولاده من زوجته .
وفى قصة” أم البنات” نجد شكلاً مختلفاً من التناقض فى العلاقات الأسرية، فالبطل قاضٍ ودارس للتشريع والفقه ، لكنه يقع فى حب فتاه تعرف عليها من وسائل التواصل الإجتماعى، وبعد أن يهيم بها حباً يطلبها للزواج فتشترط عليه أن يلتقيا أولاً ، وفى مكان عام تأتى إليه وقد غطت وجهها بنقاب، ويدفعه الفضول لرؤية وجهها ، لكنه لحظة أن يرفع عنها النقاب ، يصاب بصدمة شديدة ، إذ يكتشف أنها إحدى أخواته الست التى أنجبتهن زوجة أبيه الأولى .
أما قصتها :”فى بيتنا شيخ” فترصد شكلاً آخر من التناقض ، فبطلها شاب يقع ترتيبه الخامس عشر بين إخوته وأخواته ، فيجد نفسه وهو فى المدرسة زميلاً لإبن أخته الكبرى ، ولأنه كان يعانى من بعض الحرمان بسبب إنشغال والده عنه ، كان إبن أخته يعطف عليه ويقتسم مصروف جيبه معه، وكان ذلك يسبب له بعض الإحراج والمعاناة إلا أنه كان يحمد الله ويشعر بالرضا ، فجعل الأسرة كلها تنظر إليه كشيخ يتبركون به ويهرعون إليه كلما تمرض أحد أطفالهم ليقرأ عليه الرقية الشرعية وبعض آيات القرآن الكريم ، ودائما كانت أطفالهم تتحسن أحوالهم بين يديه .
وترصد قصة:”ليلة الخميس” تناقض الطمع فى حياة رغدة وعريس غنى لكن المفاجأة أن الدنيا لا تعطى كل شيىء ، فنهاية القصة تصدمنا بأن العريس الذى هامت به العروس وأهلها عقيم لا ينجب، والمال وحده لا يشترى السعادة والحب .
أما فى قصة :”البطل” فترصد المؤلفة من خلالها حالة التناقض الذى يعيشه بطل القصة الموظف المهووس برشاقته وجسمه الرياضى إلى حد الوله وعدم التركيز ، ورغم إهتمامه بعمله وسهره للتحضير لإجتماع مهم ، يؤدى عدم تركيزه إلى أن يضع الملف الخطأ أمام رئيسه فى الإجتماع ، وفى وقت غير مناسب يكتشف أنه قد نسى الملف الصحيح فى البيت ويضيع مجهوده كله بسبب عدم تركيزه وهوسه برشاقته وجسمه الرياضى ، وترسم تهانى الهاشمى فى قصص هذه المجموعة (13 قصة) صوراً مختلفة للتناقض فى حياتنا المعاصرة فقصة:” طبيب ماهر” بطلها يحوله إغراء المال من طبيب إلى تاجر أعضاء بشرية ، وفى قصة:”الخرتيت والغزالة” يحدث تناقض وتبادل أدوار بين مذيعة سمينة ومذيعة رشيقة تحاول مساعدة زميلتها السمينة وتأخذها إلى طبيب تجميل ليجرى لها عمليات تخلصها من الدهون والوزن الزائد وبمجرد أن يحدث ذلك تهجر هى عالم الأضواء والشهرة بل وتتحجب بعد أن تزوجت رجل أعمال ثرى جداً، إنها مفارقة صادمة فى نهاية القصة.
وفى قصة:”موعد العشاء” ترصد المؤلفة التناقض بين الحياة المعاشة وبين الواقع الإفتراضى الذى نراه على الشاشات وفى وسائل الإعلام ويقتحم عقولنا فيشوش حياتنا ويضفى عليها الشعور بالعبثية واللا معقول ، وقد يصل التناقض إلى مواجهة صريحة بين الحياة والموت كما فى قصة :”أغداً ألقاك” فبطلها متطرف يتستر برداء الدين وفى الوقت الذى يستعد للقاء عروسه ، يستعد أيضاً للقيام بتفجير مسجد بمن فيه من مصلين ففى شخص واحد تناقض المواجهة بين الموت والحياة .!
وفى لغة سلسة ذكية تخفف تهانى الهاشمى وطأة هذه التناقضات العجيبة فتختم مجموعتها بقصة:”تبادل أزواج” التى تحمل تناقضاً طريفاً لا يحدث إلا فى الحلم وهو تناقض تبادل المواقع ، فحينما يختلط الحلم بالحقيقة يتحول سخطنا على الواقع المعاش إلى رضا بما نحن فيه ، فبطلة القصة(ميثاء) تكره زوجها (عايض) وتراه قبيح الشكل وفى نومها تحلم بأنها بادلته بزوج صديقتها (موزة) ولكنها بمجرد أن تراها فى الحلم وهى فى حضن زوجها عايض تتملكها الغيرة ويتحول عايض من شخص كريه الشكل إلى محبوب فتصيح فى صديقتها :”ابعدى عن عايض أيتها الحقيرة” ، نحن أمام مجموعة قصصية مكتوبة بذكاء وإبداع ولم تخل قصة من عنصر المفاجأة فى نهايتها وتراوح أسلوب السرد مابين ضمير المتكلم وضميرالغائب مما وفر عنصر التنوع وأضفى الإحساس بالحميمية والمصداقية ، وحرصت المؤلفة على أن يكون الإيقاع سريعاً فاستخدمت لغة سهلة وكلمات معبرة وجملاً قصيرة وكثفت أحداث قصصها لتحقق الإثارة والتشويق ، فجاءت هذه المجموعة إضافة جيدة لرصيد تهانى الهاشمى من الإبداع الروائى ونرجو لها أن تواصل كتاباتها المتميزة لتحقق المزيد من التألق والإبداع.