خيري السيد النجار هو صاحب الديوان الذي نحن بصدد الاحتفاء به؛ فهو باكورة إنتاج الشاعر صادر من السنة الماضية 2018 . وهو من القطع المتوسط . يحوي هذا الديوان إضافة إلى الإهداء ( 29 ) قصيدة . عبر ( 68 ) صفحة
ما يميِّز إبداع شاعرنا عن غيره، أسلوبه الرائع، والمميَّز، في زخرفة كلماته المتقنة، والمُنمَّقة بدقَّة متناهية، وانتقائه لها بحيث تتناغم قوَّتها مع المواقف، والأماكن، والأحداث؛ حيث تخلَّلت قصائده كلمات غير مألوفة، وصعبة على مسامع القرَّاء غير المثقَّفين، بحيث تستلزم استخدام المُعجم؛ لتفسيرها، وفهمها أحيانًا .
ولقد استهل قصائد الديوان بقصيدة في مدح الرسول (صل الله عليه وسلم)
أهــــفُو إلى نَجـــوَاك ياخـــيرَ الــــوَرَى
غَنَّت لكَ الأَكــــوانُ ماأَحـــلَى الـــطَّرَبْ
فِى يَومِ ميـــلَادِ الـهُـــدَى عــمَّ الضـــِّيَا.
خَلّصــــتَــنا يَارَبِّ مــــن ذَاكَ الــــعَـــطَـــبْ
يَارَبِّ أَهـــدَيــــــتَ البـــــَــــرَايـَا أحــــــــــمَدَا.
بلَّـــــــغْتَنـــا مَا شِئـــــــتَ مِـــنْ جــلِّ الأَرَب
يَاسعــــدَها الأطيـــــَارُ فِى أَوكَــــارِهَــــــــــا.
تَروِى حَـــــكَـــايَا عَنـــكَ يَطـــوِيهاَ العَجَبْ
فى ذكرى مولده – ص4
* * *
ازدانت قصائد شاعرنا بالديكورات الفخمة: من بيان بديع، وجناس، وطباق، ومجاز استعارة، والتلاعب بجمالياتها في مواضِع مختلفة، ولا تخلو قصائده من الحكمة والمواعظ، وغيرها من أفكار فلسفيَّة عميقة، كما تجلَّى ذلك في قصيدة يا حفيدي
ان تسلني اين انت اليوم مني
انت عيني انت نفسي بيت شعري
كن جوادا عاليا كالودق يهمني
حاملا للجهل نورا حيث تسري
عش جميلا كالصبا ان حل بشفي
انت عمر سيق لي من فوق عمري
ياحفيدي – ص10
* * *
ارتقى الشاعر بقصائده الملتزمة كاملة، وتألَّق في استخدام أجمل التعابير، والصور الشعريَّة التي تُحلِّق بالقارئ، في فضاء الشعر الرومانسي الحالم، والشعر الرمزي، والواقعي،
صفت روحي بلقياها
وغني الطير بشراها
انا وحدي حلا دهري
كرهت الناس الاها
لاني لا اري فيها
سوي عزف بمغناها
ولون الورد قد ولي
حياء من محياها
اذان الفجر يشجيني
وتسبيح لمولاها
واجراس وترتيل
وقداس بيمناها
بزوغ الشمس يرويها
وصدر النيل مسقاها
فيادفئا ويا خبزا
اذا ما الطفل ناجاها
يحار الناس في لطف
شفي ذاتي واذكاها
بساط الارض مخضر
وعين الله ترعاها
علا في الكون مبناها
وفي القران ذكراها
فلا تقسي علي نفسي
فاني الف اهواها
الاها ……. ص 18
* * *
عبَّر شاعرنا عن الظلم، والشعور بالهوان بقوَّة احساسه، الذي يشد القارئ لقراءته، وبنفس الوقت لا تخلو قصائده من الأمل، والتفاؤل
خَبا صَوتى وأنفاسِى.
على روحى بكَت روحى
عن الأَوجَاعِ أحكيها.
أُجَارى النفسَ فى همٍّ
يعيدُ النارَ فى جرحى.
وفى يومٍ غَفَت عينِى
عن الدُّنيا ومافيها.
فإذ لَيـــــلَى تواتِــينى
تطببنى وترقينى.
ويَسقى دمعُها خَدِّى
بدون عنوان – ص 16
وفي نص اخر يقول
يا صبراً بلا يأسٍ……..يمُسُّ الرُّوحَ والنَّفْسَ
أيا أمى أيا عمرى…….أيا ذكرى تواتينى
تُعَزِّينى وتُشجينى…….وتُهْمِى نهْرَ أحزانِى
بماءٍ لايُروِّينِى……..أيا سُقيَا بلا لُقيا
أنادى فيكِ أحلامى
أيا أمى – ص 22
* * *
تناول الشاعر مواضيع متعدِّدة من واقع البلاد العربية ، وهموم أهلها، من آلام وآمال، ، حيث عبَّر عن المصائب، والصعاب التي عاشتها، وما زال يعيشها الأهالي ؛ لأنه لا يعبِّر عن الآمال، والآلام إلا صاحب الشأن، والشاعرهو سيد الموقف، وخير من عبَّر عنها، بفكره المتيقِّظ، وحسِّه المرهف.
تلاشَى بصدرِى جميلُ الكلامِ
لحُزنِى عَليهَا بِلادِ الكرام
تغَابَت عقُولٌ تبيحُ الشِّقاقَ
عراقٌ بِيُتمٍ ثَكَالَى الشَّآم
قِتَالٌ شتاتٌ ضياعٌ خرابٌ
رضيعٌ ذبيحٌ قُبَيلَ الفِطام
وأُمُّ تُعانِى وشَيخٌ يَنُوحُ
لفَقدِ الضَّحَايَا وبيتٍ حُطَام
تَرَاخَت جُفُونٌ بفعلِ الهلاكِ
بلونِ الكراسِى ومكرِ الِّلئام
حزنى عليها – ص 28
* * *
الحياة في قصائد الديوان جاء اغلبها مدامع وجروح ظاهرة في الفقد السقوط والانهيار المؤدي إلى تيه الكائن وصرخته في وجه العالم
قسا دهري وعاداني
وخط الشيب اوصالي
وعاست بي جراحاتي
اناخت بين اكتافي
واحنت اثقالها ظهري
ولم تحفل باسقامي
سنون قد طوت عمري
وهدت كل اركاني
ولم تنهض مطايايا
لتعدوا نحو اترابي
وبات الامر يشقيني
ويبكي بعض خلاني
قعود الدار اعياني
وهجر الناس اردني
فما من مرتجي عندي
وضم الصمت ابوابي
فشاخت كل افكاري
وفيها ضاع عنواني
فلم تشفع عطايايا
لعلم الضاد طلابي
قست انفاس ابنائي
فما اصغت لمحرابي
بفعل السحل للعلم
وجور طاول الضاد
قسا دهري – ص 42
* * *
يمكن للفارئ ان يلحظ نظرة الشاعر للحبّ ،وهو شاعر هوى بالدرجة الأولى ،لكنّ مفهومه للحبّ يختلف عن مفاهيم غيره من الشعراءفي الحبّ والغزل ،
مللت الوعود وطيب الكلام
فهلا عدلت بلغت الفطام
ورحت تغني لقلب سقيم
تاذي طويلا يعاني الهيام
يجوب الفيافي يرص القوافي
لعل رجوعا يزيل الركام
ركام التجافي وشح التعافي
افيقي فاني حبيس الظلام
اقاسي انفردا يميت الفؤاد
تعالي اشيحي ستار الخصام
مللت الوعود – ص 56
و في نص اخر
يا قطارا باعد الاحباب عني
لا سلاما لا رجاء لا تمني
غير تلويح يتواري من بعيد
بخطف الانفاس و الابصار متي
قد اذاق القلب طعما من مرار
يا وداعا من حبيب لم يخني
تاركا للحزن بابا من اوار
يا تري هل من صدبق لم يعني
من لاوجاعي لحزني يحتويني
فارقت روحي حياتي رغم اني
لي عروق عاد فيها نبض ياسي
يا قطارا هل يخيب اليوم ظني
يا قطارا – ص 58
* * *
أتمنى لشاعرنا خيري السيد النجار وهو معلم اول ثانوي بالمعاش ويقيم في الديدموان محافظة الشرقية مصر ، مزيدًا من العطاء، والإبداع؛ لإثراء مكتباتنا العربيَّة،خصوصا بعدما كتب في الاهداء (الي احبتي قراء الشعر وهواته هذا هو اصداري الاول وانا علي عتبات العقد السابع حاولت جمع شتاته.. فلم افكر يوما ان يكون لي اصدار يجمع اشعاري وبنات افكاري الي ان شجعني احد ابنائي فرحت اجمع قصاصات من هنا وهناك الي ان تجمع لدي هذا القدر ) ونحن ننتظر الديوان الشعري القادم بفارغ الصبر
…………………………..
– الكاتب والشاعر والقاص المصري صابر حجازي
– يكـــتب وينشر العديدمن المقالات والنصوص الادبية من وقصة وشعر ونقد في الصحف والمجالات والعربية
وافر شكري وتقديري على هذا التكريم الذي شرفتموني به
جزاكم اللهُ خيراً
حالص الاحترام والتقدير واهلا بك دوما