المقدسيون يطلبون خبزا وكرامة/ بقلم:ماهر باكير دلاش

المقدسيون يطلبون خبزا وكرام
‏”هذا الليل لا ينتهي، يجب على أحدنا أن يقول الشعر، وعلى الآخر أن يبكي”
أعلم أنه ليس بوسع الكلمات أن تسعفنا في كل مرّة، وليس بوسع الشعور.. ولكنه بوسع الدعاء دائمًا، دائمًا؛ فلا وقت للروايات والشعر مع شعب يطلب خبزا وحرية!!
وأعلم أيضا أن الخطوات الأولى ليست لنا، ولكن لنا الوجهة وإلينا الغاية، ولكن أحيانا قد يثقب النص وتضيع كل الحروف عند محاولتنا قول ما نريد قوله!!
لا عناوين تدل على نهاية الرحلة، لا لافتات تحمل معاني النهاية أو تدل على الاقتراب منها، ولا محطات مكتظة بالغرباء لنعلن التيه كخيار بديل عن الوصول، فهل للكرامة علامة انتهاء؟
مما لا شك فيه أن الحرّ يدافع عن الفكرة مهما كان قائلها، والعبد يدافع عن الشخص مهما كانت فكرته.. ومن الطبيعي أن يدافع الحر عن لقمة عيشه، فمتى أصبحت لقمة العيش فكرة وليست متطلبا؟
إننا نقف على حافة الأمل شبه المتيبّسة، تلك التي ترغمنا على البقاء هنا والانتظار أكثر من اللازم، لأن عينا امرأة ثكلى في فلسطين كانتا ترويان قصة ما، قصة جديدة، ببطلين تعرفهما جيّدًا ونعرفهما رغم إنكارنا الشديد.. أحدهما لعب دور الجلاد وأتقنه والآخر لعب دور الضحية ومجبرا أتقنه.
إن الحكاية تروى على أي حال، وستروى ولا بدّ من ذلك حيث الضحية والجلاد هما البطلين شئنا أم أبينا.
أيها السادة: حينما قررتُ افلات التفاصيل للمرة الأولى شعرتُ بسلام عظيم، حدثت نفسي بعدها بأن للعقل البشري ألاعيب خبيثة بحق! كُنت أخال أن الإفلات خطيئة، وما ينتظرني عقب ذلك هو الجحيم لا محالة، لماذا قد تفعل بنا عقولنا هذا؟ لماذا تحاول اقناعنا بأن النسيان جريمة؟
عذرا سادتي: ظننت أن البداية وحدها هي الأصعب وأن عدم التعمق في التفاصيل هو الأشد، وأن التخلي بعد ذلك سيكون أمرا معتادًا، على الأقل لن أضطر أن أواجه مخاوفي، أو أعاتب نفسي، من المفترض أننا نعرف ما وراء السد الآن!
تكررت التجربة ووجدت نفسي أقف خلف السد مجددًا، أتطلع في ارتفاعه الشاهق مجددًا، وأشهق من منظره المريع، لماذا قد يضطر أحدهم لتسلق مثل هذا الحاجز (حاجز الفصل العنصري)؟
ورغم أني أعرف كليًّا أن الإجابة هي لأنه وببساطة ثمة كنز يُسمى “الراحة” يقف هناك.. حيث المنطقة المحذورة، ولكن هل من راحة للمقدسيين؟!
ان الذاكرة الجريحة عند اهل بيت المقدس وحتى اكناف بيت المقدس والتي استعمرت فيما مضى تحولت اليوم الى طاقة تاريخية هائلة، ولطالما بقي المقدسيون ومن خلفهم الشعب الفلسطيني بكل أطيافه درعا صلبا حاميا للأقصى، بعد احتلال من الكيان الغاصب قد شارف على سبعين عاما ونيف.
يتشدق الكيان الصهيوني دوما بمقولة منمقة أو لنقول كذبة فاخرة: لماذا يهاجموننا باستمرار؟!
ألسنا قوما متحضرون ؟!ولكن أحياناً يصعب علينا ضبط أنفسنا وعن التعبير بوضوح وصراحة عن وجهة نظرنا؟!
*دافئة جدا فكرة أن يكسر أحدهم كل القواعد ويختلق شتى أنواع الاكاذيب.. والادفأ من هذا أن يشرب نخب السقوط إلى هاوية الوضاعة. *
إن الاعتقاد السائد لدى الصهاينة أن الرق لا يزال موجوداً، وكيف لا وهم كانوا رقيقا عبر حقبات التاريخ، ولا تزال هذه عقدة في نفوسهم، تربوا عليها، وكبروا عليها، ويحاولون أن يفرغوا عقدهم من الرق والاضطهاد على شعب الربانيين، ولكن هيهات.
الأهم هنا، هو أن نرى بوضوح ونفكر بمنطقية، ونسمع برزانة، ونجيب بوضوح على سؤال طبيعي منطقي: ما هو المبدأ الذي يقوم عليه الاحتلال؟!
ضرب المقدسيون أمثلة في البطولة وعدم الخنوع والخضوع، والقوة التي تلازمهم هي قوة ارتباط بالدين والأرض والعرض والأنفة والشموخ، وتصدوا للقوة التي تلازم الكيان الغاصب -الروح الشريرة-وشهوة حب الامتلاك، أو هكذا ما يبدون، ولكنهم يبطنون داخلهم حربا دينية عقائدية تحت اسم حضارة كانت في حقبة تاريخية ترسمهم عبيدا لنبوخذ نصر ومن بعده هتلر في الزمن القريب.
إن أسطورة الترسانة العسكرية كما يتوهم الخانعون قد أصبحت قطعا من المعادن البالية الصدئة.. تعطلت واصابها الخواء أمام شموخ الشباب والأطفال والنساء وحتى الشيوخ.
*إن تزايد القطبية حتى في الداخل الصهيوني.. وبداية هؤلاء الذين يعرفون حق المعرفة أن الذين لا يملكون قوت يومهم ولكنهم يملكون الايمان بخالقهم ومن ثم الايمان بقضيتهم.. هؤلاء الاسطورة مسحت من يخفون وراءهم اضمحلال الانسان.. *
*إن إجابة النداء الإلهي أسرع من تطور القوانين الوضعية، فعلى من لا يؤمنون بهذا أن يكملوا النقص في حياتهم وضمائرهم، وأن يفرقوا بين النص الإلهي وبين الحاجات الدنيوية القائمة على المصالح*
ومع كل هذا أشعر أنه لمن السذاجة أن نتغزّل نصًّا سكبَ كاتبه كل جراحه وندباته بين سطوره لشعب لا يطلب نص رواية ولا قافية شعر ولا أغنية حماسية، بل يتضور جوعا لرغيف خبز وكسرة من كرامة وحرية.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!