تحول ارتفاع الأسعار الجنونى للسلع والمنتجات الضرورية فى كافة أمور الحياة إلى حلبة صراع بين التاجر والمستهلك, منذ شهور وبعد قرار البنك المركزى تعويم الجنيه تعويم مدار أو مرن, ونحن نعانى ارتفاعات جنونية فى أسعار السلع الغذائية بشكل غير مبرر, لكن التجار حججهم جاهزة, “الدولار بكام”؟ وكأن الحياة توقفت على مخزون الورق الأخضر الذى سمم حياتنا وحولها إلى كابوس وهاجس لا ينتهى, كيف يمكن الاستمرار فى هذا الجنون الذى أصاب الأسعار؟ ولم نعد نتحمل أعبائه مهما حاولت الحكومة توفير الدعم للمواطن أو رفعت الرواتب بما يتناسب مع امكاناتها المتاحة. مع كل صباح تشرق علينا شمسه نتلمس خطواتنا عند الذهاب إلى المتجر للتبضع أو السوبرماركت أو محلات الخضار والفاكهة, والسؤال الوحيد الذى يدور بأذهاننا هل زادت الأسعار اليوم؟ لنتفاجأ بأن الذى اشتريناه بالأمس ازداد اليوم بشكل مضاعف! فما الذى تغير خلال بضع ساعات مضت بين الأمس واليوم التالى لتزداد الأسعار من جديد, وتدخل فى بورصة الصعود المستمر, ولا تلتفت للهبوط كما يحدث عادة فى أسعار البورصة والتداول طالما اعتمد التجار هذه الطريقة!!.
أمضينا شهر رمضان الكريم بتخوف كبير ألا نستطيع استقباله كما يليق به, واحتفلنا بالعيد دون ضجيج, فقد اعتاد الناس على الاحتفال بهذه المناسبة المباركة بشراء الملابس والحاجيات الجديدة للأطفال خاصّةً, وتحضير العيدية التي غالباً ما تُعطى من الرجال والبالغين للصغار, والتى تختلف من منطقةٍ إلى أُخرى, وإن كانت في مُعظم الأحيان مبلغاً من المال, فضلا عن شراء حلويات العيد من كعك وخلافه أو تحضيرها في المنزل, وشراء قطع الشوكلاتة والملبس, والقضامة, وأكياس المكسرات, والذهاب في نزهة مع الأهل, أو إلى المنتجعات السياحية, والمطاعم, والمدن الترفيهية, والملاهي, وإن كان البعض يفضل السفر خارج البلاد, كل تلك الطقوس كانت معتادة وطبيعية وفى المقدور, لكن مع الارتفاع الجنونى والمبالغ به فى الأسعار تحولت تلك الأمور إلى نوع من الرفاهية يجب التفكير بها ملياً قبل تنفيذها, فلم تعد من أساسيات الحياة, فقد أصبحنا نحدد أولوياتنا بما هو أهم وأولى, لكن التضييق أيضا كاد يقتل فينا الأمل, فلا مفر إذن من كسر بعض القواعد التى اتخذنا بشأنها قرارات صارمة, فقليل من المرح ينعش القلب, فى تلك الدائرة المغلقة التى نعيش داخلها, وبهذا المنطق أقنعت نفسى بالخروج من دائرة تحديد الأولويات, وقررت الخروج من البوتقة التى انحشرنا بها رغما عنا, جلست فى أحد المطاعم التى نرتادها جميعا التى من المفترض أنها فى المتناول الجميع, طلبت ساندوتش من البرجر بلا مبالغة كان مجرد ساندوتش من طبقتين بينهما شرائح الجبن والقليل من البطاطس المحمرة وزجاجة مياه صغيرة, وعند طلب الحساب, جاءت الفاتورة مذيلة برقم 350 جنيها “فقط لا غير”؟! بين الدهشة والاستغراب وجدت نفسى انتقل سريعا إلى مرحلة الواقعية لأتذكر فورا أننا لم نعد نتعامل بالأوراق ذات الفئات القليلة التى مع الوقت ستختفى أى سلعة تحمل تلك الأرقام, وبالصدفة دار حوار هاتفى مع صديقة تعيش فى كندا سألتها من باب الفضول كم يساوى طبق برجر عندكم, فردت سريعا لا يتجاوز 5 دولارات كندية, أى ما يعادل 125 جنيها -الدولار الكندى ب (25) جنيه- تعجبت من هذا الانفلات الذى أصاب الأسعار, ولا يستطيع أحد لجمها أو حتى تقنينها, كيف يمكن مجاراة الواقع والتكيف مع الغلاء الذى لا يتوقف عند حد وبشكل غير منطقى ومبالغ فيه, ولا يعبر عن موجة الارتفاعات المتصاعدة فى العالم, بل تجاوز المعقول, ولا يتناسب مع دخل المواطن, ولا حتى الحد الأقصى من زيادة الدخل فى ظل أزمة اقتصادية طاحنة تجتاح العالم كله. فبالمقارنة بين مستوى المعيشة فى بلادنا, ومستوى المعيشة فى كندا أو الدول الأخرى فإن الفارق كبير, ومع ذلك هناك توازن بين مستوى الدخل وارتفاع الأسعار لديهم رغم شكواهم من الغلاء.
كل يوم نصحو على ارتفاع جديد فى الأسعار, أرهق جيوبنا وأجبرنا على التنازل عن الكثير من احتياجاتنا, وهو أمر بالغ الصعوبة, ولا يتوقف, فلماذا لا تخضع المطاعم والمحال التجارية ومنافذ السلع الغذائية لقوانين ملزمة تحد من هذه الارتفاعات اليومية الجنونية فى الأسعار؟ الملاحظ أن كل متجر يضع السعر الذى يروق له دون أن يكترث بظروف المواطن أو احتياجاته, رغم قلة الطلب الذى بات ملحوظاً فى الآونة الأخيرة, ومع ذلك فالأسعار لا تنخفض والتجار لا يعنيهم سوى الربح وما يدخل جيوبهم, قس على ذلك كل متعلقات الحياة فهى سلسلة مترابطة لا تستطيع فصل حلقة من حلقاتها, والرابط الوحيد الذى يجمع بين دوائرها هو “الدولار” الذى أصبح كابوس كل بيت ومستقبل كل مواطن.