آفاق حرة للثقافة
بقلم م. عدنان علي/العراق
الحقيقة لفتَ نظري قيام الأديب العراقيّ المهجريّ عباس داخل حسن بجمع معظم حوارات الأديبة د. سناء الشعلان في كتاب عملاق يقع في جزأين يحمل اسم “حوارات مع شمس الأدب العربيّ سناء شعلان”، وذلك لما هذا الكتاب من أثر إيجابيّ لمن يبحث عن د. سناء الشّعلان الإنسانة والمبدعة والمثّقفة، وأنا قد اطّلعتُ عليه، وتابعت آراء الشّعلان ومواقفها ورؤاها المبثوثة فيه، وأنا أقول في هذا الصّدد أنّ من يريد أن ينهل من أنفاس د. سناء الشعلان عليه أ يقرأ كل رواياتها وقصصها ومسرحها ونقدها وأدبها للأطفال.
أنا شخصيّاً من خلال قراءتي لمعظم ما كتبت استخلصتُ ما تملكه د. سناء الشعلان من شخصيّة فريدة، لا سيما أن مجمل فكرها موجود ومخزّن في الفكرة المركزيّة لديها؛ فهي ترى أنّ أساس المعرفة والإبداع الفكريّ يقومان على معرفة الذّات المعرفيّة أوّلاً حيث التّمييز أو الفصل بين العارف والمعروف، وهذا الميدان المعرفيّ –بالطّبع- قادر على أن يقدّم للأدب والرّواية على وجه الخصوص بحثاً معرفيّاً في وجهته الصّحيحة، ومركزه في ميتافيزيقيا الكون.
إنّ د. سناء الشعلان تحمل هذا كلّه في ذهنها؛ إذ تقضي الحقيقة أنّه لا مناص مّما هو إنسانيّ، بل إداركاً لماهيّة الطّبيعة بنحو جوهريّ أعطي وفرة إضافية إلى مفهوم الرّواية على اعتبار أنّه شكل من أشكال المواجهة، سواء أكانت كائنات بشريّة أخرى أم مع الطّبيعة أم عالم الظّواهر أمع الزّمان والمكان أم أفكار أم نظام اجتماعيّ أم جمال أم خيال أم غيرها… إلخ؛ فهي تبدو متعدّدة مثل تعدّد الجزيئيّات بسبب بنية الإدراك البشريّ وطبيعته، وهو يمثّل أحياناً وسطاً للأشكال اللاّمتناهية فيه.
صحيح أنّ الغالبية ليسوا ملمّين أحياناً بالرّؤيا الكليّة لنظرة سناء الشّعلان للذّات والآخر والحياة والأفكار والمواقف، إلاّ أنّها في حقيقة الأمر ليست في حاجة إلى من يذكّرها بالعاطفة الأكثر عمقاً وجمالاً؛ فهي لا تؤمن بالإحساس الغامض القابع تحت أقنعة النّص الرّوائيّ حسب، بل إنّ هذا المنظور يندرج في منحى نظرتها إلى وظيفة الشّخصيّة مع الزّمن؛ إذ إنّ هذه الوظيفة تفترض وعياً عالياً في جوهر الثّيمة بامتياز، مثلما تفترض زماناً ومكاناً آخرين؛ فهذه الوحدات البنائيّة هي من تصنع سيرورة السّرد، وبجانبه السّرد التّخيليّ داخل الرّواية مؤكّدة على ترسيم الشّخصيّات التي تُعد من أكثر انشغالاتها لأنّ هذه الشّخصيّات هي الوحدات التّعبيريّة المسؤولة عن إدارة الرّواية وتناميها، كما هي مسؤولة عن الصّراع وتصادّاته داخل الرّواية التي يمثّلها البطل المركزيّ في صناعة الحدث وصولاً إلى تحديد الشّخصيّة الميتاسرديّة التي تمارس وظيفة المراقبة، وما تعطيه من صورة لفعاليّة الوعي النقديّ، وتشطير الوحدة النّصيّة من خلال السّعي إلى خلخلة بنية أيّ مؤلّف نمطيّ من الدّاخل والانتقال بعامل التّجديد إلى مستوى أكثر تمظهراً وتعبيراً، ليقوم على استيعاب كامل التّحولات الاجتماعيّة والفنّية، ثم يكشف عن المنظور الرّوائيّ نفسه، كما يكشف عن وعيه إزاء الأحداث والواقع والتّصوّرات والجوهر الحكواتيّ للخطاب الرّوائيّ حتى في نظرته للتّاريخ والتّخييل العلميّ لمجريات تحدث مستقبلاً في الحلول الكثيرة التي قد يستخدم المؤّلف فيها السّرد الشّعبيّ المثيولوجيّ ليخلق تواشجاً بين المستويات كافّة؛ لينجح في إيجاد نوع من التّفاعل الذي يصطنع التّوظيف التّجديديّ وفق رؤية الشّخص الراّوي؛ إذ يُقدّم الحدث بالوثيقة مقابل التّخييل السّرديّ بمحمّلاته عبر إيجاد بنيات متراكبة لإيقاع الرّواية فوق مستوى الحدث، ثم تبدأ سلطة الكاتب بصياغة النّصّ وتوظف المنظور عبر مؤشّر إدراكه ووعيه العالي والكاشف ليكون أشبه بعين الكاميرا التي ترصد خفايا أنسنة الواقع بوعيه المجاور للواقع المتخَيّل.