بقلم: كمال محمود علي اليماني
” قصاصة من ورق” ، مجموعة قصصية للقاصة د. بسمة صالح جابر ، ويقول لي حدسي المتأتي من قراءتي لقصص المجموعة ، أنها المجموعة الأولى لها ، جاءت المجموعة في 84 صفحة من المقاس المتوسط، وقد ضمت بين غلافيها سبع قصص ، اثنتان منها بطول 25 صفحة لكل منهما ،وثالثة بطول 11 صفحة ، وأربع أخريات قصيرات بطول يقع بين الخمس والثلاث صفحات ، متبوعات بثلاث قصص هن في الحقيقة خواطر. والمجموعة من إصدارات هذا العام.
جاء التجنيس في أعلى الغلاف كمجموعة قصصية، فتوجب إذن حذف الخواطر الثلاث منها ، ثم جاء أسفل منه عنوان المجموعة ” قصاصة من ورق” وكنت أحبذ أن يكون ” قصاصة ورقية” ؛ إذ هي قصاصة واحدة ليس إلا ، وليست عدداً من القصاصات ، وعلى الرغم من أنها قصاصة واحدة إلا أن مصمم الغلاف قد وضع على الغلاف لوحة ضمت قصاصات ثلاث معلقات( لعله جعلها ثلاثا لتحمل دلالة التشظي ) على حبل مشبوك بقضبان زنزانة تجلس داخلها امراة من المفترض أنها عجوز –حسب المتن- ، لكن المرأة الظاهرة ذراعاها في اللوحة تبدو في سن الشباب، والحق أن العنوان المختار لم يحقق مافي المتن من رومانسية ومن أجواء زاخرة بالحلم والأمل ، وفوات تحقيق الأحلام ، ولو أن القاصة اختارت لمجموعتها عنوان القصة الأخيرة ” أمل.. تذروه الرياح ” لكان أصدق في التعبير. والزنزنة ليست مظلمة تماما فالجهة اليمنى منها تبدو منيرة في دلالة على حضور فتاها – الذي تركته طفلا- بعد سنوات السجن.
أهدت القاصة مجموعتها ؛
إلى عزتي وشموخي والدي الحبيب صالح جابر
إلى فخري وذخري والدي الثاني فضل محمد
إلى منبع العطاء والحنان أمي الحبيبة
إلى رفيق دربي الذي انحنت له مكارم الأخلاق فواز
إلى فلذات كبدي خليل وصالح وأثير وفضل
أهدي هذا العمل محبة ووفاء
والملاحظ أن حظ المرأة في الإهداء كان ضعيفا جدا.
ومن الحقل الدلالي لعناوين القصص يتضح للقارىء أن المجموعة في مجملها رومانسة التوجه ؛ إذ حوى الحقل الدلالي للعناوين المفردات التالية: رفات ، أحضان ، الموت، حياة ، حلم، أمل ، حنان، غضب، رماد)، وبالفعل فإن النفس الرومانسي طاغٍ في قصص المجموعة كلها خلا قصتي” قصاصة من ورق” و” امرأة من غزة” فهما قصتان واقعيتان متخيلتان.
والملاحظ أن كل عناوين القصص جاءت جملا اسمية : ( قصاصة من ورق، رفات.. بين أحضان كتاب، على شفا الموت حياة، حلم هرب.. وأمل مات .. وهي ؟ ، امرأة من غزة، حنان وغضب ، ورماد .. تذروه الريح).
ولقد تناولت القاصة في مجموعتها عددا من الثيمات المتنوعة ، ففي قصتها الأولى ” قصاصة من ورق” وهي القصة التي حملت المجموعة عنوانها، أدانت شرب الخمر وتبعاته الاجتماعية والأخلاقية ، وأدانت الفقر وقصر ذات اليد إزاء ما يصيبنا من أمراض نعجز عن علاجها، ومترتبات هذا الفقر الذي أوقع بطل القصة لأن يودع في السجن إلى أن تحمل عنه زوجته التهمة في حبكة غير مقنعة ، وتودع هي ذاتها في السجن، والقصة على واقعيتها وسمو مشاعرها ، إلا أن القاصة سلكت فيها مسلكاً عاطفيا أوقعها في زلات أخرجت الأحداث والحبكة عن منطقيتها، وكان جليا أن تجربة القاصة لم تنضج معها أدوات القصة، ولعل طول القصة هو من أفقدها القدرة على الإمساك بزمام التحكم في الأحداث وفي الحبكة.
وفي قصة ” رماد.. تذروه الريح” أدانت الحرب بعامة ، في حين أنها صورت حال نساء غزة في قصة: امرأة من غزة” وصورت قوة المرأة الغزاوية وصلابتها.
وإذا كان النقد الفرنسي جان بويون قد ذكر أن شخصيات الراوي تكون على ثلاثة أقسام : الراوي الغائب ، والراوي المتعدد ، والراوي المشارك ، فإن القاصة د. بسمة صالح جابر قد استخدمت في مجموعتها كل تلك الشخصيات كلاً على حدة ، ففي قصتها” رفات.. بين أحضان كتاب” مثلا كان الراوي غائبا، في حين أنه كان في قصة “على شفا الموت.. حياة” مشاركاً ، وكان الراوي متعدداً في قصة “قصاصة من ورق”.
أما من حيث الوصف ، فلقد أسرفت القاصة في الوصف – في كثير من الأحيان- للأجواء والمشاعر والأماكن المحيطة بأبطال قصصها وكأنها تكتب رواية لا قصة قصيرة ، وهي وإن كانت تستخدم لغة جميلة ومعبرة في الوصف ، لكن هذا الوصف يكون في بعض الأحيان زائدا عن حاجة القارىء لقصة قصيرة تعتمد كثيرا على الإيجاز.
ففي قصة ” على شفا الموت .. حياة ” مثلا ، نجدها تصف- على لسان الساردة بطلة القصة- إصابتها بالسرطان فتقول: “كان يتمكن مني يوما بعد يوم، يتأصل فيَّ، يستوطنني، يمد جذوره لتترسخ في أعضائي، كانت جنوده تنتشر في أراضيَّ، تزحف إليها، تغتصب خلايا جسدي اغتصابا، فإذا بها تضعف، ترضخ له بعد أن هتك حياءها، قتل العفاف فيها، حتى إذا ما استباح حرمتها، وكسر شوكتها، رفع أعلامه ترفرف عليها، لينتقل إلى عضو آخر”.
ولقد ابتعدت القاصة عن تقنية الحوار في معظم قصصها ، إذ لايحضر الحوار إلا في ثلاث منها ، وهو حوار خارجي بين أبطال القصص.
حوت المجموعة إلى جانب القصص الرومانسية والواقعية قصة واحدة بعنوان” حلم هرب، وأمل مات، وهي؟ ” وهي قصة من عالم الفانتازيا ففيها تحكي عن فتاة حملت بحلم ، ولأنه حلم انثوي غير ذكوري ، فقد” تركها وهرب، تركها ضحية للناس، تنهش لحمها الألسن”. هذا الحلم الذي زرع في نفسها الأمل ،غير أنه لم يقو على الصمود , فكانت حال ولادتها به ” اشتدت التقلصات ، خرج رأس الأمل ، ولكنه ظل عالقا حتى اختنق ، مات الأمل ، وظلت تقطر دماً حتى…..”.
وكانت نهاية القصة عبارة عن نقاط متتالية في إشارة دلالية لموت بطلة القصة ذاتها .
استخدمت القاصة لغة أدبية راقية ومعبرة في عموم قصصها، وكانت حافلة بالصور الجميلة ، والانزياحات الدلالية المتناثرة ، مثل قولها:
*يتأمل الشمس وقد اكتست حلة جميلة مفعمة بألوان الأصيل.
*ومياه البحر تداعب قدميها.
* استحيا الحلم، أفلت حقيبة، وغاب في الزحام، أما هي فقد رقصت بأغاريد الناس في مسامعها.
وهاك بعض الأسطر التي تكشف لك روعة لغة القاصة، حيث تقول:
” لقد مضى من الحياة ربيعها وربما لا ندرك الخريف، ولكنني سأحيك من هذه الأيام رداء من السعادة أكسوه إياه ، سأسرق من الشمس خيوطا ذهبية دافئة ،وأسرق من القمر خيوطا فضية متلألئة، سأسرق من الورد لونا قرمزيا هادئا ، سأنسجها بمحبة مخملية، وأوشيها بأسمى المشاعر، وأرصعها بإيمان ورحمة وطمأنينة”
وإذا كان حظ المرأة في الإهداء ضعيفا كما ذكرت سلفا ، فإنه من الملاحظ أن القصص جميعها كانت بأبطال من النساء ، وبهذا تكون القاصة د. بسمة صالح جابر قد انحازت إلى ما يعرف بالأدب النسوي، وهي في كل قصصها أيضا لم تسمِ أحداً من أبطالها أو بطلاتها في إشارة منها إلى محاولة تعميم النماذج التي تعرضت لها في قصصها نماذج تعم المجتمع ككل.
القاصة بدت في قصتها الأولى” قصاصة من ورق” مرتبكة، مهزوزة الخطوات، قليلة الخبرة في كتابة القصة القصيرة، لكنها سريعا ماوقفت أقل اهتزازا، وأكثر ثقة في القصة الثانية” رفات.. بين أحضان كتاب” ، وفي القصص الخمس الأخريات استطاعت أن تتجاوز كل ذاك ، وأن تسير بخطىً واثقة، لافتة انتباهنا إلى ظهور قاصة تقف قصصها إلى جانبها شاهدة على امتلاكها الموهبة والنضج الكافي لتكتب قصصا قصيرة في مستوىً طيب جدا.
عتبة الغلاف الخارجي حملت نبذة عن القاصة من حيث تاريخ ميلادها ، ومحل الميلاد ، والشهادات العلمية التي تحصلت عليها ، ومن هنا علمنا أنها تحمل شهادة الدكتوراه في اللغة العربية من كلية التربية العليا .. عدن. ولقد نالت شهادة التفوق والأبداع ، المركز الأول في القصة القصيرة ، ضمن فعاليات أسبوع الطالب الجامعي.