آفاق حرة.
تعتبر سورة الفاتحة من فواتح القرآن الكريم لأنه بها بدأ المصحف الشريف وهيي من سُميت بالسبع المثاني لأنها تُقرأ في كل ركعة ، ولا تصح الصلاة الا بها ، وباستعراض التفسير لمجمل آياتها نجد أنه في الآية الأولى ( الحمد لله رب العالمين) ثناء على الله بصفاته وبنعمه الظاهرة والباطنة ، الدينية والدنيوية ،وفي الآية الثانية ( الرحمن الرحيم) ،أي المتجمل بصفة الرحمة التي شملت الخلائق لأنه هو عز وجل من بث روحه فيها ، (مالك يوم الدين) ،أي مالك يوم القيامة، وهي آية تحمل الكثير من معاني التذكير بيوم الميعاد ويوم الحساب ،يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم ، ثم نستدرج التفسير في الآية الموالية (اياك نعبد واياك نستعين) ،أي أننا نخصك يا الله وحدك بالتعبد والخشية واللجوء اليك في جميع أحوالنا ،سرائنا وضرائنا، (اهدنا الصراط المستقيم) ،أي وفقنا يا الله للطريق الصحيح فنحن لا نعلم من الأمر شيء وما توفيقنا الا بك ولما تحبه وترضاه لعبادك المؤمنين ،(صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، أي طريق الهداية التي بينتها لعبادك الصالحين ، وفي ذلك إشارة الى أن طريق الله هو الطريق المنجي من عواقب العقاب وسوء المآل ، فحتى لو تنوعت وتعددت الطرق والوسائل والأدوات للظفر بالنجاح والوصول الى الأهداف المبتغاة في ظل ما تعرضه علينا الحياة من معطيات متداخلة وهذا راجع لأن البعض منها مبهم غير واضح للعيان نظرا للالتباس الذي يشوبه بسبب المفارقات العجيبة التي تفاجئنا بها الحياة في ظل ما يُسمى المسالك الوعرة للطموح، وهو مصطلح اخترته بما يتوافق ومسألة التوحيد ، لأنه لولا القرآن لما اهتدينا ولولا تمسكنا بعقيدتنا بثبات ووعي ونضج لما أدركنا بالادراك العقلي والحس الباطني ما هو مطلوب منا في هذه الدنيا التي غررت بالبعض وأفقدتهم صوابهم في فهم حقيقة الوجود.
ومن هذا التفسير الميسر لسورة الفاتحة يمكن القول أن مضامين التوحيد لا تقتصر فقط على الإقرار بوحدانية الله تعالى خالق الكون والمخلوقات جميعها ،انما هي أيضا العمل بمعاني العظمة والقوة بعد الإقرار بفردية الألوهية أي لا اله في هذا الكون الا الله سبحانه وتعالى وتجسيد معاني هذا التفرد تبدو في ضرورة الإخلاص والصدق والتضحية من أجل المبادئ التي أقرها القرآن والسنة ضمن اطار العمل الشرعي لتوجيه العمل التشريعي نحو الوجهة الصحيحة لقضاء حاجات الناس والتقاضي فيما بينهم بالعدل الموسوم بالحجة الدامغة على أن القرآن نبراس ونور وهداية ولا غبار على الحقيقة والغاية من وجودنا على الأرض، لذلك كانت احدى هذه المضامين التصديق الجازم أن كل خير أو شر انما هو بقضاء الله وبقدره، وانه الفعال لما يريده ، وقد ورد هذا المعنى في كتاب تفسير العشر الأخير من القرآن الكريم من كتاب زبدة التفسير في الصفحة 72 ، حيث ورد حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ” لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ، ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مت على غير هذا لدخلت النار” رواه أحمد وأبو داوود.
وبالعودة لمضامين التوحيد في سورة الفاتحة من نفس المرجع السابق في الصفحة 2 ، نجد أن الهداية نوعان في تفسير للآية الكريمة “اهدنا الصراط المستقيم “، هداية توفيق، وهي خاصة بالله تعالى ، ومنها قوله عز وجل” انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء” والهداية الثانية هي هداية دلالة ورشاد وهي للأنبياء وأتباعهم من العلماء والدعاة ، ومنها قوله تعالى ” وانك لتهدي الى صراط مستقيم ” ، والآية تدل على النوعين لأن الله هو الموفق للخير ، وهو الذي أرسل الرسل ليدلونا عليه، والصراط المستقيم لغة هو: الطريق الذي لا اعوجاج فيه ، والمراد به طريق الإسلام.
لنصل في الختام الى أن مضامين التوحيد في سورة الفاتحة انما هي رسائل نور من الله تعالى في بيان معنى التفرد بالألوهية وليس الاكتفاء بقراءتها في كل صلاة بل فهم معاني الانابة لله عز وجل فيما استعصى من أمر أو مسألة، وطلب الهداية والرشاد والتوفيق في أمور الحياة.