كيف لو أن عينيك كانتا في ركبتيك؟!. ستشاهد ما حولك بمستوى ركبتيك كالقطط والكلاب وإطارات السيارات، ولن ترى الأشياء البعيدة بصورة أدق، ولأصابك الحَوَل والخَبَال بسبب حركة قدميك في مشيك وركضك، ثم كيف ستنام وتتقلب؟!.
ولو كان فمك في بطنك، كيف سيشاهد الناس كلامك، وكيف سيتم هضم طعامك عند أكلك، وهل ستكون بطنك مكشوفة طيلة وقتك ليرى الناس كلامك، وكيف ستُقَبِّل أطفالك؟!.
ولو أن أنفك في ظهرك، كيف ستشم الزهرة الجميلة، وبأي طريقة ستمد يدك لتشم الطعام قبل أكله؟!.
كل شيء وزعه الله بحكمة متناهية، ودقة عجيبة.
فجعل رأسك في الأعلى، ووزع فيه عيناك وأذناك وفمك وأنفك بطريقة بديعة.
فجعل العين في الأعلى، وحماها بالأجفان والحاجبين والرموش، وخص موضعها في أعلى الوجه لتتمكن من رؤية أعلى مدى وأقصى اتساع، ولم يجعل عينا في الأمام وعينا في الخلف، ولم يباعد بينهما كالأذنين، فاقترابهما زادهما جمالا، ولم يجعلها عينا واحدة، فبعينين اثنتين تستطيع رؤية الأشكال والأحجام بصورة أدق، وبواقعية متناهية، ولقطة متكاملة، فتشاهد ما حولك باتساع بانوراما، وبدقة 4k وبزاوية 3D. كل ذلك وأنت لا تشعر به، ثم غسلها بالدمع، فلولا الدمع لكانت العين جافة لا ترمش.
وجعل الأنف متوسطا بمنخرين صغيرين متجهين للأسفل، ولم يجعله مقلوبا، فكيف ستغسل وجهك حينها، وكيف ستستنثر أو تمتخط إن أردت أن تتوضأ، ولم يجعل الأنف في أعلى الرأس فيرى الناس فتحة منخريك وما بداخلهما، وستنزعج حال الزكام، أو نزول ما بداخله فسيؤذيك في عينيك ووجهك، ولم يجعله في ذقنك، فلو احتجت لشم الطعام لن تتمكن من قياس بعده، ولأدخلت أنفك في الإناء بغير قصد. بل جعل موضع أنفك في منتصف وجهك باتزان وحكمة.
وجعل فمك أسفل وجهك، فلو كان في جبهتك لن تراه عيناك وأنت تأكل، ولن تتمكن من وضع اللقمة فيه باتزان، ولتناثر الطعام على وجهك، لكنه جعله أسفل وجهك بموضع فريد، وحكمة عجيبة، وأحاطه بشفتين رقيقتين، بدونها لن تتكلم، ولن تخبئ فمك وتحفظه من الهوام، ولتناثر الطعام وأنت تأكل.
ووزع أسنانك، فهي متراصة بيضاء، كيف لو جعلها سوداء أو حمراء؟ لما رأيت السوس والأوساخ بها، ثم جعل الأنياب والقواطع في مكانها، والأضراس مختبئة في الجانبين، لتنهش اللحم وتمضغ الطعام بتوازن، وجعل اللسان بينهما يوزع الطعام ويحركه، وأمدَّه بلعاب حلو، فلولا هذا اللعاب لما استطعت أن تتكلم، ولا أن تبتلع لقمة واحدة.
وجعل شعرك أعلى رأسك ليحميه من الشمس ومن الهواء فهو كالقبعة المحيطة به بإتقان عجيب، وجعل له خاصية تناسب الحال، فجعل شعور أهل الجبال والمناطق المرتفعة سبطة ناعمة، وجعل شعور أهل المناطق شديدة الحر جعدة خشنة لتتحمل شدة الحر وتحمي الرأس من الشمس، فهي كالمظلة، وجعل الشعر مخللا يدخل فيه الهواء، ويصل إليه الماء، فلو لم يكن كذلك لتعفّنت رائحته، وصعب تسريحه.
وجعل أذناك في جانبي رأسك بنتوء لطيف، فهي بهما أجمل، ولم يزدهما كبرا فيتشوّه خَلقك، ولم تكن صوانا بدون شحم فيصير رأسك كصخرة صماء، وجعل فيها منحدرا من الداخل ليكون واقيا للطبلة التي تسمع بها، وجعل أمامها شمعا يقيها من الهوام والأتربة، والهواء.
وجعل لك خدان ناتئان في جانبي وجهك، وبدونهما لكنت جامدا تماما لا تعابير لك، فهي تنفرد حال ضحكك، وتنقبض حال غضبك وسكونك، وبداخلهما عظمان قويان، يحميان فمك، ويشكلان قوسا سفليا يقي عينيك.
ثم كيف جعل جلد رمشيك بهما نعومة مفرطة، يتشكلان حسب تعابير وجهك بين الحزن والفرح والخوف والبكاء، وجعل لشفتيك جلدا خاصا، فهو أملس ناعم، مغطى بطبقة خاصة تساعده على التشكل للكلام وللتوسع وفتحه للأكل.
وجعل أسفل وجهك رقبة ممدوة، وأمدها بخاصية التحرك بكل الاتجاهات، لتنظر يمينا وشمالا وللأعلى والأسفل، فلو جعلها جامدة لبقيت كالصنم الذي لا يتحرك رأسه.
فتأمل كيف أن الله جعل رأس الإنسان في أعلاه، ووزع حواسه فيه بتناسق عجيب، وتشكل رهيب، وأن كل عضو في جسدك لا يصلح إلا في مكانه.
وسبحان الله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم.