بين حياتك وموتك يا بيروت- بقلم المهندس قاسم الحوشان عياش

لصحيفة آفاق حرة:
________________

قال تعالى في كتابه العزيز :
يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ﴿١٩ البقرة﴾
وقال أيضاً :
قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿١٦٨ آل عمران﴾
أهلنا :
في بلدنا كما هو في بلدكم يموت من يستحق الحياة على يد من يستحق الموت .

فمن أين أبدأ تفحُّصَ نفسي؟
من أين أبدأ جولتي ؟
، بحثًا عمن ذهب ومات !.
ام عما ذهب ومات فيَّ؟

ومن صارَ حظُّهُ الجروحُ أم حظُّهُ الموتْ وما بقي من حظوظٍ للحياة ؟
أمْ عمَّا فَسَدَ وتَلَفَ.. عمَّا انطفأ وهَمَدَ.. عمَّا يصرعُ الجروحَ ، والموتُ يوشكُ على الذّهاب..؟
ثمةَ أفكارٌ ميِّتةٌ يجدُرُ بنا نفْيَها بعيدًا، توخيًا لسلامتنا..ولسلامتكم في بيروت، وثمَّةَ أفكارٌ تعيش حالةَ إغماءٍ. وتحتاجُ إلى إعادة إنعاش.. ففي قلبي ركامٌ من الموتِ ينتظر التقليبَ. مشاعرُ سوداء نقمةً. على من يجترُّ الموتَ للأبرياء عندنا وعندكم .ضَغائنُ. أحقادٌ، أحزانٌ مقيمةٌ. وهن. سأم. إحباط. بشرٌ يُغيضونَ وبَغيضونْ تفيض نفوسهم عدوانيةً. وكراهية. على بشرٍ كان بعضهم في الزمان القريب اكثر عدائيةً لأهلنا في بلدنا .
اكثر من عدائهم المزمن لبعضهم ولكم .كمْ في قلبي بواعثَ موتٍ تُجهزُ على بواعثِ الحياةِ.. كم من جدٍ وجفاء؟
وكمْ مّن شرورٍ؟
وكم مّن عتمةٍ مستحكمة ؟.
يااااااارب..
أعِنا وإياكم على كلِّ هذا النزف وعلى كل هذا الموت. أحيِنا بك. أعِدْ وصلنا بمصادِرِ الحياةِ والضياءِ. ومنابِعِ الفرح.
فالموتُ والحياةُ مخلوقان فينا، يبتلِيانِنا خلقًا وتجديدًا.. هذا للبِلَى وتِلك للجِّدَّةِ والتَّجَدُّدِ والحياةِ.. اختيارٌ يتطلب مجابهتنا اليومية لمِيْتاتِنا المُعتادةِ.. يتطلبُ حساسيةً مفرطةً بالحياة.. نحنُ لانموتُ في الحياة باختيارنا تُميتُنا المخططاتُ القذره .
خلقَ الله فينا( الموتَ والحياةَ ليبلُوَنَا أيُّنا أحسنُ عملا)، ولا يمكن للإنسان أن يكونَ أحسنَ عملًا، إذا لم يحسن العمل داخله. إذا لم يكن أحسنَ عملًا داخل ذاتِهِ. ويلوحُ لي العملُ الأحسنُ اختيارًا ينتمي للحياةِ هو حصادُ عِرَاكِنا مع الموتِ وأسبابِ الشقاءِ الدَّاعيةِ للانهزامِ، والنكوصِ وفسادِ ماسلف من اعمالنا.
يهلكنا الله بسالف اعمالنا ، وما اقترفت أيدينا ،كما اهلك اقوام سلفت اقوامُ عاد الاولى وثمود فلا ابقى لذلك يسلط علينا من لايخافه ولا يرحمنا .

إذاً… نحتاج كلَّ وقت إلى التأكُّدِ من حجمِ الموتِ واسبابه وادواته وما أدرانا أنظفرُ بحياةِ الخلودِ ونحنُ نخلُدُ إلى فيءِ جدار الموتٍ الشاهق لنرتاح وهو يسكنُ أعماقَنا وأفكارَنا وتصوُّراتِنا. أقوالَنا وأفعالَنا. نهاراتنا وليالينا.. وهل يستوي الأحياءُ والأمواتُ في الحضورِ والغيابِ. هل يستوون عند الحيِّ القيُّوم؟

نحتاج اليوم – ربَّما – يوميًا إلى أن يتحوَّلَ كلٌّ منا إلى بستانيٍّ جيِّدٍ يتعهَّدُ بالسُّقيا لما ذَوَى وذَبُلَ داخِلَ أرواحنا.. نحتاجُ إلى خِبرةِ من هو في مهنتي مهندسٍ زراعيٍّ يعرفُ أمراضَ الزُّرُوعِ والثمارِ.. نحتاج إلى مهارةِ طبيبٍ، بل ربما أطباءَ بتخصصاتٍ متنوعةٍ واين هم واحسرتاه!
انهم وقود الكورونا والعنف وتفجير مرفؤكم ،نحتاج إلى مَسَاءَاتِ عِنايةٍ مركزةٍ..نحتاج لأن نطمئنَّ كلَّ وقتٍ على حياتِنا وحيويَّتِنا لنتأكد من أن خلايانا وكل جوارحنا وحواسِّنا كلَّها حيةً تضُجُّ بالحياة.. نحتاج إلى أن نتلمس روحنا، وأشواقَنا. خفقانَ قلوبنا. آمالَنا وطموحاتِنا. رؤانا ونظراتُنا وخواطرنا.
نحن في بلد الياسمين :
أتُرانا في إدارتِنا لحياتنا ؟
لا نلتفتُ كثيرًا إلى ما في غيرنا من الموت؟! لان ماأصابنا من الموات يكفي لتوزيعه على العالم فيتخمهُ لازال يعيشُ فينا الموتُ ونعيشُ فيه أكثرَ مما نعيشُ الحياة. الفقرُ والغلاء موتٌ يتبعهُ موت يعودُ إلى فقرِ الرّوحِ وموتُ الإرادة.
فالقهرُ أشدَّ على انفسنا في بلدنا سوريا من موت الموت بدأ من داخلِ ارواحنا ولا زال مستقراً فينا كبذرةً تنتج موتاً يليه موتٌ وموتْ .
هذا الذي نراهُ في واقعِنا المَقِيْتِ وواقعكمْ هو بعضُ موتِنا وموتكم . بعضُ تَعَفُّنِنا …وجُبْنِنا …وتخاذُلِنا.
لهذا من المهمِّ أن نبدأَ البحثَ عن الحياةِ من الداخلِ. فكلُّ ما فقدناهُ ونَفْقِدُهُ هو نِتاجُ فُقدِ أناتنا الداخليةِ. مواتُنا العامُّ هو حصادُ مواتِنا الخاصّ.
ثمَّة موتٌ يستوطنُنا ببطءٍ حتى يغدو جزءاً منا، بحيثُ لا نعودُ نراهُ أو نُحِسُّ بهِ. ومن المهمِّ هنا إعادة إحياءٍ لحساسيتنا ِ بالحياةِ. وتقليب المفاهيمُ والتصوراتُ وإعادة التقييمِ والتأكيدِ على مؤشراتِ الحياةِ الحقةِ كي نُدركَ أين نقِفُ بين موتنا وحياتنا.
وكمْ نبْعُدُ وما المطلوبُ كي نعاود حياتنا من جديد.
اصدقائي :
إن من أكبرِ الجحود أن يهبنا الله الحياة فنذرها نحن بايدينا الى أجنداتِ الموت ونذرها دون ثمن لفنائنا وعدمنا .
فالموت والحياة حقيقتان متلازمتان ومتعاقبتان، ولكل بداية نهاية، فإذا كانت البداية بالحياة …فالموت هو النهاية.
ولا مفر من الموت لأنه الحقيقة الوحيدة فى هذه الدنيا، إن حياتنا مجرد أيام متعاقبة، تغير من ماهيتنا الفكرية والعقلية، (وتلك الأيام نداولها بين الناس )هى التى لن ننساها أبدًا، فهى ذكريات حياتنا جميلةً كانت أم قاسيةً، مهما اختلفت، إلا أنها لن تختلف فى كونها ذكريات، وهذه الذكريات هى كل شئ مهم أو حدث مؤثر بالنسبة لنا عند اقترابنا من موتنا، سنشاهد كل تلك الأحداث، ستمر علينا فى لحظات معدودة، إذاً فماذا عسانا أن نرى نحن وانتم يابيروتيين فى تلك اللحظات الرهيبة؟
فلصمتنا همسات وللعيوننا ثرثرة نادرة ، لحنايا قلوبنا خيوط ذكريات تدثّر الفقد والغياب كما هي أحلامنا الراكدة هي ملمسُ أملنا ، وتأتي المساءات ضاجّة بالوحدة والصّمت ودوي التفجيرِ يُغزَلُ من خيوطها ترنيمةً للتأمّل ، فغالباً الصّمتُ لا يخوننا، والبراءة تظلّ تعاند شقاء حياتنا مع صلابةٍ في وجه تيّار محننا، التي تُعايشنا .
فالحياة قاسية على من يشقيهم المرض.
والموت قاس على من يعيش ويفارقه احباؤه .. يفارقونه وفي رءوسهم حبهم لنا وتجلياتُ وعواطفهم نحونا …وكثيرون يريدون أن يمنحونا الحياه.
فالحياة اوهام لا تنتهي
انا لا أخاطبكم لأقتل وقتي وإنما أخاطبهم لأخلق النبض في قلبي وتستمر بنبضه حياتي التي ارهقها الموت
من حولكم ومن حولي .
_________
درعا – سوريا

عن هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!