ماذا عن التخريب من أجل التطوير!!/ بقلم : جيهان فوزى

آفـــــــاق حُـــــــــرة 

سلسلة طويلة من المشاريع القومية للتطوير فى محافظة القاهرة وعموم مصر, تقودها الدولة بهدف تحسين البنية التحتية وشبكة الطرق والكبارى, وهنا يتركز الحديث عن مصر الجديدة التى كانت نموذجا يحتذى, فى التصميم والتنظيم والعمارة, لكن منذ أن عرفت الكبارى طريقا لها بدأت المعاناة, معاناة السكان من جهة ومعاناة الطبيعة وماشابها من تشويه ممنهج من جهة أخرى, مصر الجديدة التى كانت تحمل فى طياتها براعم الرقة والجمال. حي “مصر الجديدة” من أرقى ضواحي القاهرة الكبرى التي أسسها البلجيكي البارون أمبان صاحب قصر (البارون) الأثرى, والذي حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى على افتتاحه مع مشروعات تطوير شرق القاهرة, بعد انتهاء مشروع ترميمه وتحويله لمعرض أثري يحكي تاريخ حي مصر الجديدة, ومظاهر ونمط الحياة في تلك الفترة الزمنية المميزة.

لقد أسس البارون “امبان” حي مصر الجديدة, بمساعدة بعض الشركاء المصريين, وكان بمثابة ملتقى لمختلف الأعراق والأجناس والأديان, وحرصوا على اختيار مجموعة متميزة من المهندسين والمعماريين من مختلف الجنسيات لتصميم وبناء الحي مما أعطى له طابعا متميزًا ونمط حياة الحضارة الأوروبية الحديثة, بداية من تصميم الطرق والشوارع والمباني ذات التصميمات المميزة, والحدائق الكثيرة والمساحات المفتوحة, وهو الحى الذى تميز عن غيرة بكثرة المساحات الخضراء والشوارع الممتدة الوارفة الأشجار, منها من تجاوز عمرها المائة عام.

لقد جاء مشروع تطوير شبكة الطرق والكبارى فى حى مصر الجديدة لتوفير مساحات أكثر اتساعا حتى تتيح المجال للسيولة المرورية وتفادى الاختناقات اليومية التى باتت تشكل أزمة مستعصية تشل الحركة, بسبب الازدحام المتواصل فى كل الأوقات, بالاضافة إلى عملية ترميم الطرق وإعادة تصميم الشوارع ذات الاختناقات المكررة وشق طرق جديدة, وانشاء شبكة من الكبارى كى تسهل حركة الانسياب المرورى وبالتالى تسهيل الحياة على المواطنيين. الهدف من التطوير نبيل, لكن آلية التنفيذ شكلت جريمة فى حق الحى وقاطنيه, فقد تحول الحى إلى مجموعة من الكبارى التى تشاهدها فى كل مكان, وتوسيع الطرق أدى إلى تجريف الأشجار دون تخطيط, لتتحول الشوارع والأحياء التى كانت مشهورة بحدائقها الغناء وأشجارها الوارفة, إلى شوارع فارغة من الحياة, كئيبة محفوفة بالمخاطر بسبب تكرار حوادث الدهس للمواطنيين القاطنين فى المنطقة, والذين يعبرون الشوارع بعد توسعتها. لسنا ضد التطوير, ولكن كان ينبغى دراسة متعمقة لطبيعة المنطقة, فاقتلاع الاشجار والحدائق التى تتوسط الأحياء بهذه الطريقة العنيفة بسبب التطوير لهو جريمة فى حق الحى الهادئ الذى كان مميزا عن غيره ويضج بالحياة, وأحسب أن العديد من الكبارى التى تم إنشائها وخصوصا فى مدينة نصر وبعض أحياء مصر الجديدة, لن تلبى الهدف المنشود منها, فالاختناقات المرورية لا زالت مستمرة! أما مسألة الضمير فى التنفيذ فحدث ولا حرج, وأنا شخصيا تجولت مرارا وتكرارا فى أماكن تم تطويرها فى محيط مصر الجديدة وضواحيها, لم أجد فيها أى ملمح جمالى أو هندسى يليق بالهدف النبيل من التطوير, بل حل التصحر والقبح فى التنفيذ, لا يوجد أدنى خبرة فى الانشاء ولا ضمير فى التشطيب! استبدلوا الأشجار بأرصفة متعرجة خالية من الحياة, شوهت الصورة الجمالية للشوارع الرئيسية لأنها تفتقد لابسط درجات الفن والاتقان! حتى أن الطرق التى تم تدشينها تعانى من تكسير, وحجارة متناثرة فى كل مكان وسوء فى التشطيب, والأرصفة المشيدة من الطوب على جانبى الطريق خرج الطوب من مكانه, ولا أحد يلتفت لهذه الكارثة!! رغم أن الشركات المنفذة لم تنته بعد من الاعمال الانشائية ويبدو أنها لاتكترث ولا تلتفت إلى الجودة فى المعايير, أو الاشراف والرقابة على التنفيذ, حتى لا تتحول الانشاءات التى كلف الدولة المليارات إلى عشوائيات فى وقت قصير, تحمل الدولة أضعاف ماتم صرفه على مشاريع التطوير التى لازالت مستمرة, واعتذر عن القول أنها تنتهك الطبيعة وتتعمد تصحيرها, رغم أننا فى أمس الحاجة إلى مناخ صحى وبيئة نظيفة, بحاجة ماسة إلى المساحات الخضراء التى تريح الأعصاب وتهدئ النفس, وتنقى الهواء الملوث بعوادم السيارات وعوامل التلوث الاخرى, كى نستطيع تنفس هواءا طبيعيا خاليا من الرصاص وثانى أكسيد الكربون الذى تقوم بمهمة امتصاصه أوراق الأشجار. ففى مصلحة من اقتلاع الاشجار وإزالة الحدائق التى كانت عنوان مصر الجديدة وألقها وتميزها.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!