قال تعالى: (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)، وهي آية واضحة وصريحة ولا تحتاج لعالم في التفسير ولا يمكن بناء أيّ تأويل عليها، فمهما أؤتي الإنسان سعة من العلم يظلّ علمه ناقصًا أو ليس مكتملًا في علوم أخرى وحتى في تخصّصه.
دعيت مساء الأربعاء الثامن من سبتمبر أيلول2021م، لجلسة ثقافية ولم أكن أعرف المحاضر أو المتحدث ولا عن مضمون الحديث أو المحاضرة وذهبت واثقًا كعادتي إلى المجلس المنشود وفي الوقت المحدد.
كان الحديث شيّقًا جدًّا وهو عن قصور تفسير علماء المسلمين في تأويل القرآن الكريم أو ما نسمّيه تفسيراً، وتفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن لغويًّا، وكيف أنّ الله سبحانه وتعالى حفظ القرآن الكريم من التحريف منذ نزوله إلى يوم القيامة.
كما أسلفت القول، فقد كنت أحب هذه الأحاديث والحوارات حول التفسير والمفسّرين من علماء المسلمين بكلّ أطيافهم ومدارسهم، حيث إنني قرأت كثيراً حول الموضوع ذاته، وكما يعرف الجميع بأنّ التفاسير كثيرة جدًّا لجميع فرق المسلمين.
الجميل في المسألة أنّ المحاضر متمكن من الشروحات ولديه اطلاع وأظنه واسعاً ومن خلال طرحه والمقارنة في تسلسل الآيات وشرحها ثم تفسيرها.
وكعادة أيّ محاضر بعد الانتهاء من ورقته يكون الدور متاحاً للحضور في طرح الأسئلة وتتم المحاورات والنقاشات في جو هادئ بأسلوب علمي وما تعوّده الجميع في أيّ ندوة أو جلسة ثقافي مهما كان نوعها.
في منتصف الجلسة انبرى أحد الحضور في التعليق فرد عليه آخر بعنف وكاد الأمر يخرج عن التعليقات العلمية إلى التجريح ورفع الأصوات ولكن صاحب المجلس أدرك ذلك قبل تفاقم الأمر وقبل أن يصل التعصب بين الاثنين إلى ما لا تحمد عقباه، ففضّ النزاع والجميع بمن فيهم المحاضر يستمعون لذلك النقاش الحاد، وحينها فكرت بالانصراف؛ لأنني لم أعتد على جلسات ثقافية بهذه الطريقة السمجة.
نظرت إلى أحد الأصدقاء وهو جالس إلى جانبي فحرّكت عينّي وفهم منّي عدم الرضا عن مقاطعة المحاضر وعن طريقة النقاش التي تدور.
ولم تنتهِ الجلسة إلّا وقد تمت مقاطعة المحاضر مرّات عديدة من قبل الحضور، كلٌّ يتعصّب لرأيه، وكلٌّ يؤيّد مفسراً دون آخر، وهناك من يطرح رأيه بالقوة، وهناك من لا يقبل بكلام هذا وذاك.
وكلّما هممت بالانصراف فكرت أنّ ذلك سوف يضع صاحب الجلسة والمحاضر في حرج وقلت في نفسي: اصبر واجلس، فجلست حتى النهاية.
على أنّ العديد انصرف خلال المهاترات، وهي فعلًا مهاترات وليست نقاشات، فطرح الآراء لا بُدّ وأن يكون بأسلوب علمي رصين وليس فرض رأي بالقوة.
إنّ مقاطعة المحاضر خلال حديثه يشتّت من أفكاره ويزعجه وكذلك ينزعج الحضور بدورهم من ذلك الأسلوب، فكثرة مقاطعة المحاضر تفسد لذة المعرفة.
أما أنا فلم أتحدّث إلّا بعد أن انتهت الورقة وانفضّ المجلس وكان حديثي مع المحاضر فقط، حيث وضعت له مرئياتي حول بعض النقاط، وأضفت معلومات لم يتطرق إليها المحاضر وهي معلومات في التاريخ ومن خلال بعض المخطوطات المحققة.
النقاش بأسلوب الصراخ وفرض المعلومات بالقوة وإجحاف حقّ مفسّر وتنزيه آخر وتفضيل هذا عن ذاك، ليس من المنهج العلمي في النقاش والطرح.
وعلى من يذهب إلى أيّ مجلس ثقافي أو حتى مجلس اجتماعي أن: (يكون مستمعًا جيّدًا)، فالحوار الهادئ هو الذي يؤدي إلى نتائج علمية مفيدة وهو ما يسعى إليه أيّ طالب علم أو معرفة.
فنّ الاستماع، فنٌّ راقٍ وأسلوب حضاري، لا يجيده الكثير، حتى من ذوي الثقافة العالية، فتجده مستعجلًا بطرح آرائه وما يؤمن به قبل أن ينهي الطرف الآخر الحديث، وهذا إجمالًا تسرّع ممقوت ولا يعكس الأسلوب الثقافي الذي يتحلّى به من يحضر لأيِّ محاضرة كانت.
_____
منتدى النورس الثقافي الدولي.