آفاق حرة – أبين – اليمن
كتب : وسام عامر
ضمن مساعيه بالاهتمام بالفن والتراث الموسيقي نظم اتحاد أدباء وكتاب الجنوب فرع أبين بمقره بالعاصمة زنجبار صباح يومنا الاثنين ال20/ديسمبر/2021م نظم ندوة فنية ثقافية بعنوان : “الموسيقى التصويرية مابين أزمة التلاشي المحلي وتكرار المستهلك الخارجي”
وفي مستهل الندوة تساءل الشاعر والإعلامي بسام الحروري مقدم الورقة :على المستوى المحلي هل توجد لدينا موسيقى تصويرية ؟
وهل يتواجد لدينا مؤلفو أو صناع موسيقى تصويرية في الجنوب؟
ولماذا لانستلهم من تراثنا الفني من خلال مشروع يؤطر لهذه الصنعة!
مؤكدا على ضرورة تفعيل هذه الجزئية المهمة والحساسة في إطار التوجه الجنوبي الشبابي إلى صناعة الأفلام والدراما
لاسيما وأن هناك محاولات لصناعة السينما تستحق الإشادة في عدن والضالع وأبين وربما في غيرها من المحافظات الجنوبية وبجهود ذاتية شبابية تتناول بعضها القضية الجنوبية وتؤرخ لمسيرتها ناطقة بلغات أجنبية إلى جانب العربية الأم ولكنها مغيبة بفعل الإعلام نفسه
وأضاف عندما نفتش على المستوى المحلي في أماكن صناعة الدراما إجمالا ،لانه لايوجد لدينا سينما إلا ماندر وأعني بمصانع الدراما هذه ،الإذاعة والتلفزيون وبعض شركات القطاع الخاص التي تهتم بهذه الصنعة ،لانجد أن لديها مؤلف واحد متخصص في هذا الجانب, وكل الموسيقى التي توضع في هذا القالب تكون بطبيعة الحال منقولة من الانترنت وقد يختلف الأمر في بعض البلاد العربية فنجد من هو متخصص وأكاديمي بل ومخضرم في هذا المجال وتطرق الحروري إلى تاريخ الموسيقى العربية ونشأتها
منذ نبوغ زرياب الأندلس مؤسس أول مدرسة للموسيقى الكلاسيكية وتفوقه على معلمه إسحاق الموصلي في صناعة عوده الخاص به ورفضه العزف على عود معلمه وعزفه على عوده بقوادم النسر أمام الخليفة العباسي هارون الرشيد حين قدمه الموصلي للخليفة بعد أن أضاف زرياب الوتر الخامس لعوده من مصران شبل الأسد وتحولت لاحقا في قرطبة إلى آلة الجيتار التي نعرفها اليوم (الفلامنكو) ،
ماحدا بمعلمه الموصلي إلى تهديده بالقتل إن لم يغادر بغداد خوفا من أن يحظى زرياب بمكانة رفيعة عند الخليفة
وحسدا من تفوقه عليه،
مشيرا إلى أنه منذ ذلك الحين والموسيقى تتخلق في أشكال أدواتها ومقاماتها ونغماتها وتتبلور عبر الأزمنة والأمكنة في خط أقرب مايكون إلى الخط البياني النابض
وقال :ان التناول الجاد للموسيقى التصويرية أو Soundtrack الساوند تراك كمايطلق عليها بالإنجليزية، للأعمال السينمائية العالمية أو التلفزيونية أو المسرحية أكانت درامية أم كوميدي بما فيها المؤثرات الصوتية على السواء
،تشكل حالة إنسانية ذات خصوصية وجدانية لدى الباحثين والمهتمين والمتذوقين
خصوصا وأنها تعد معادلا سماعيا أساسيا وباعثا للمخيال الذي يتطلبه الجو العام للعمل ، بما في ذلك التترات أوالشارة التي تمثل فاتحة العمل ونهايته كما أنها أي الموسيقى التصويرية تمثل كذلك للأعمال الإذاعية محورا أساسيا مساعدا لاكتمال المشهدية السماعية وإضفاء صبغة واقعية على العمل لإقناع المستمع والتحليق به ودمج مخياله في حاله زمكانية مع مجريات المشهد ليعيشه بكل كيانه وهذا ليس بالعمل الهيّن إذ يتطلب التجديد دوما من الموسيقي أو الملحن في كل مرة يتناول فيها عملا إبداعيا ما ،
مؤكدا بأن هذا الرأي ينفي بعض الآراء التي ترى الموسيقى التصويرية مجرد عامل ثانوي في العمل.
وفي السياق ذاته تناول الحروري الموسيقى التصويرية في أفلام شاري شابلن وأعمال مستر بن الصامتة التي محل الحوار إلى جانب بعض الكلمات المقتضبة التي شكلت مع بقية العناصر توليفة مشهدية مما أسدت فتحا جديدا للمنظومة السينمائية.
مضيفا بالقول ان الموسيقى التصويرية لها سحرها الخاص في بعث روح الأمكنة المرتحلة في المتخيل الجمعي أو الفردي كان لزاما على الموسيقي أن يحرر هذه المشهديه من الرتابة والجمود إن وجد بهذه الروح الخفية الطاغية ،
وعن اساطين الموسيقى التصويرية العربية ودورهم في هذا المضمار ،وهم كثر لكن أهم من أبدعوا في ذات المضمار الموسيقار عمار الشريعي الذي قدم لنا موسيقى فيلم حليم ، أرجوك أعطني هذا الدواء ، ذيل السمكة ، يوم الكرامة وأيام في الحلال .
وكذلك الموسيقي إلياس رحباني مؤلف موسيقى فيلم حبيبتي ، أجمل أيام حياتي ، دمي ودموعي وابتسامتي، والمبدع الرائع سمير كويفاتي مؤلف موسيقى أوراق الزمن المر وأيام الغضب وأبناء القهر وغيرها كذلك الفنان طارق الناصر، ميشيل المصري ، سعد الحسيني مؤلف موسيقى باب الحارة ،وعمر خيرت التي تتسم موسيقاه بميزة حميمية قريبة للقلب تعرفها من أول لحظة تسمعها فيها لاسيما في روائعه الخالدة كليلة القبض على فاطمة ،وجه القمر، قضية عم أحمد ، خلي بالك من عقلك ، الهروب من الخانكة،الإرهابي النوم في العسل، عفوا أيها القانون ، إعدام ميت، الجزيرة وغيرها من الأعمال التي أبدع خيرت في اقتناص اللحظة الفاصلة والذروات أو ماتسمى بالكلايمكس أو البيك إضافة إلى لحظة التنوير الممهدة لنهاية القصة أوالعمل كل هذا أبدعه خيرت ورسم مشهديته ممسكا بمفاصل الأعمال التي قدمها موسيقيا
وعن الموسيقى التصويرية الغربية قال الحروري
لم تكن الموسيقى التصويرية شيئا يذكر في الأعمال التي قدمها الغرب لنا منذ 1895م حتى منتصف العشرينيات وظلت السينماتوجراف بمعزل عن الصوت البشري أو المؤثرات الصوتية التي تحاكي الطبيعة أو الموسيقى المصاحبة للصورة المتحركة
مستشهدا بحديث الممثل الانحليزي شارلي شابلن في مذكراته (أن مراكز التطوير في الأستوديوهات البريطانية والألمانية والأمريكية سعت إلى إيجاد تقنية تمكنهم من جعل الأفلام ناطقة وكان الهم الشاغل لدى السينمائيين ينصب نحو جعل صوت الممثلين مسموعا وتوجيه انتباه المتفرج إلى الصورة والكلام معا أي إداخال عنصر الحوار إلى العرض السينمائي)
وعن مساهمة المحاولات الألمانية في صناعة الموسيقى التصويرية قال الحروري بان رجل الصناعة السينمائية الألماني أوسكار ميستر(1866- 1943) م قد أجرى أولى التجارب لإنتاج أفلام ناطقة عام 1908م وإن لم تنجح التجارب بالشكل المُرضي لكنها أحدثت فتحا جديدا لدى الصناعة السينمائية وبعدها فكر صُنّاع السينما إلى إدخال تقنية الموسيقى على شريط الفيلم مع الصوت البشري الحواري وهكذا ظهرت أفلام شارلي شابلن بشكل أكثر حيوية من ذي قبل حيث انقشعت عنها غشاوة الرتابة من خلال إدخال الموسيقى التصويرية المتمثلة في العزف على آلة البيانو فقط مع بعض الجمل المنطوقة باقتضاب ومن هنا فتح شابلن بفكرته آفاق رحبة من خلال تأليف الموسيقى التصويرية لأفلامه كالعصور الحديثة والديكتاتور القديم ولعل أشهرها أضواء المدينة .
مشيرا بأنه في ذلك العصر تنبه صناع السينما والموسيقى إلى فكرة مفادها عزف الموسيقى التصويرية بشكل حي ومباشرة داخل دور عرض السينما بحيث تتواجد الفرقة مع المؤلف والمايسترو بجانب الجمهور ويتابعون أحدث الفيلم ومن ثم يتم العزف مباشرة على ضوء ماتتضمنه المشاهد الماثلة أمامهم بالموسيقى التي تؤلف سلفا ، لكن هذه الفكرة لم تستمر طويلا ومالبثت أن اختفت بعد أن صارت الموسيقى التصويرية تسجل بمفردها ثم يتم دمجها في الشريط إلى جانب بقية عناصر الفيلم وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عقب هزيمة ألمانيا فيها بدأت ألمانيا بتجميل صورتها أمام العالم من خلال إنشاء شركات ومراكز لصناعة الأفلام الوثائقية والصور الفوتوغرافية المختصرة ب(دوليج) عن الحكومة الألمانية
وقال بأن هذه الجهود والمساعي
إلى إدخال الصوت والموسيقى التصويرية أدت إلى إحداث قفزة مهمة في تطوير تقنية الأفلام المنتجة مما ساهم في تبلور العملية الإنتاجية السينمائية.
مضيفا في منتصف العشرينيات
جاء الموسيقي الفرنسي كاميلي ساينشيز الذي يعتبر أول من قام بتأليف موسيقى تصويرية خاصة بالأفلام بعد أن كان سابقوه من الموسيقيين يقتبسون من الموسيقى الكلاسيكية المتداولة والمعروفة في الأوساط الفنية آنذاك ثم يدمجونها في الشريط الفيلمي بحيث تتلائم مع المشهد أوالحدث أحيانا وأحيانا أخرى لا تتلائم ممايضطرون إلى إعادة توزيعها مع الإبقاء على اللحن السابق كما يفعل بعض الدخلاء على الموسيقى التصويرية في عالمنا العربي بحسب الموسيقي السوري سمير كويفاتي وسعد الحسيني في لقاء لهم في برنامج (نادي التلفزيون) السوري
ثم تبلورت الموسيقى التصويرية إلى صارت تعزف رقميا وإلكترونيا وحلت محل الكثير من الفرق الموسيقية التي كانت تتولى هذه المهمة
وفي ختام الندوة تمنى الحروري إيلاء هذا الجانب أهمية تليق به وأبراز المواهب التى تتوق للارتقاء بهذا الفن السامي
ثم فتح مجال النقاش حيث قدم الموسيقي محمد صالح اليافعي مداخلة حول أهمية الموسيقى التصويرية والموسيقى إجمالا
كما أشاد الأستاذ عبدالله قيسان رئيس الفرع بأهمية الورقة المقدمة ورقيها واعتبرها جزءا من المقاومة الإبداعية التي تخدم الهدف العام للقضية في ظل هذه الظروف العصيبة التي نمر بها
وبدوره تساءل الأستاذ نبيل النمي المسؤول المالي بالفرع عن دور الموسيقى التصويرية في صناعة الأوبريت باعتباره مسرحية غنائية حيث تولى مقدم الورقة الردود عليها بحرفية وإبداع الحضور الديني المعتدل كان متواجدا وأشاد بالفعالية التي تميزت كما ونوعا
كما حضر جمع من الموسيقيين والمخرجين المسرحيين أبرزهم المخرج سعيد عاطف والمخرج ضياء وعدد من المهتمين بهذا الجانب
قدم الفعالية الموسيقي وسيم صالح.