{الرغبة الأولى }:
جسرنا المعلق فوق نهر الضباب ، يسُحُّ مِن ذكرانا بقايا الخطوات ؛ يتأرجحُ بحباله الليفية المتآكلة على صدرِ الصدى، بنشيجِه الصَّدِئِ يربُضُ في مسامعنا، فنتساقطُ جزءاً تلوَ جزء في لُجةِ هذا المساء ، وتتكسر فينا خطيئة الكبرياء ، نتَحفّى منها بأقدامٍ بلّلها زَمنٌ بعيد ..
لماذا نريد الصراخ في ليل عقيم؟!
انتظرتك جدا ؛والساعةُ الصغيرة في معصمي لم تعد تتسع بمحيطها الضيق للمزيد من السنوات .. غيابكَ أكبر من عُمْرٍ ، والصرخةُ المجنونة لا تكفي إن لم تليها حياة..
———————-
{الرغبة الثانية}:
كل الحروف التي جمعتنا في مركب القصيدة تبعثرت ، لم يبق منها إلا دفُّ القافية ، تنقرهُ أصابع الريح الملتوية كلما غصّ البال بالذكرى ..من ذا يساعدُ موجةً للبحرِ تاهت عن شرفةِ شاطئٍ كسير؟! أو من يلملم من فم الشبّابةِ لحناً يسيلُ جُرحاً على شفاه الطريق؟!
آثار ظلالنا مازالت تلتصق بالرصيف ، تتشبث بجذور اللقاء ، تعانق شجيرات الأزقة ، وتذوب في مزاريب الشتاء.
ونحن خارج الأسوار ؛ نشاهد أبناء مدينتنا يتذابحون فوق التلال ، ويعلقون على الشرفات بقايا الصور..
هلّا تحسستَ كتفيْك ؟! فلربما نما لك جنحٌ من أثير ..
من جوفِ هذا الموتِ دعنا نطير..
————————–
{الرغبة الثالثة}:
هناك على ناصية الأفق ؛يتنفس عصفور جريح ؛نَجا من مُهاتراتِ البنادق ؛ جاء ليخبرنا كيف كانت شظايا الزهور تتضوع حزنا على جنبات المقابر؛بعدما مسح المارقون الأسماء من الشواهد ،وليحكي لنا عن حقول السنابل التي لم يبق فيها شيء غير المناجل ، وعن جموع الجياع التي تسير تحت الشمسِ عارية الملامح، شاخصة المدارك..
شيء ما يتصدع في كفيّنا وينفطر ،عجل وضع يدك في يدي علّنا نصيرُ معاً حبة قمحٍ بظِلٍّ وارف ، ونستديرُ أرغفةً بلونِ الحياة ،نجوبُ بها أقاصي البيوت والخيام..
———————-
{الرغبة الرابعة}:
الصوتُ تحت جفنيْكَ الصامتيْنِ ربابةٌ تلوكُ الوتر ؛ فلا تخفِ عني دموعَ الشتاء ، ومواكبَ الكلمات الذابلة .
ارفع قميصَ لحائِك ، وابْكِ ، فالغصن الوارفُ فيَّ تستهويهِ أحضانُ الأشجار العارية ..
ابكِ ، فالدمعُ يطهّرنا ؛ ينقينا ؛ يجمعنا ، ويعجننا ..
وترُ عينيْكَ المغموسِ في قلبي يُحررني ، فأطلِقْهُ.
———————-
{الرغبة الخامسة}:
يهمسُ عصفوركَ في حضنِ الجدول، فينمو الحبُّ على أطراف القلبِ قمحاً؛ ليتَ السنابكَ في صهوةِ الخيلِ تحنو،وتغفرلي كبواتِ السنابل .
——————–
{الرغبة السادسة}:
لابأس أن تتحمل حماقتي قليلا..
كلنا في حضرة الأحزانِ حمقى ؛لا نتقن في المحرابِ إلا البكاء .
——————–
{الرغبة السابعة}:
إذا مالمحتني ؛ على شرفاتِ الليل ؛ أعتصرُ ظلاماً بانتظارك ؛ أدخنُ نفسي ، وأبعثرُ دخاني في متاهاتِ الطريق ، فتذُرّني رياحُ الوجدِ في عينِ القمرِ ، وتذيبني كرمادِ لُفافةٍ ؛ فلا تسخر ، ولا تعطف ..
يكفي أن تتنفسَ بعمق ، وتُشبِعَ الرئتين من ولَهِ المساء .
—————-
{الرغبة الثامنة}:
إنْ مرَّت هالتي الحزينة ؛ بالقربِ من فضائك ؛ انفضْ غبارَهاالملعونَ عنك ، و أكملْ مسارك ….
—————
{الرغبة التاسعة}:
قلبكَ ساقيةٌ من حزنٍ راكد ؛ والحب فيه ثورٌ أعياهُ الدوران ؛ وأنا الناعورةُ المنسيةُ في حضنِ الضفاف ، قد أتعبتني أصوات الخلاخيل في أقدامي ..
تعالَ ؛ فقد طالَ العشبُ كثيراً ، والموت كثيراً ، والريحُ في كل الشواطئ تعبثُ بالسنابل وتصنعُ بدلَ الخبزِ أرغفةَ الغبار ..لا أريد تناولَ الموت وحدي في ذاك الطبق ؛ فاقتسمْ معي كسرة صغيرة علّنا نموتُ معاً ، وبعد الموتِ نلتقي ..
—————–
{الرغبة العاشرة}:
وتستمر الحرائق في بلادي ؛ فذاك السوق الذي جمع خطواتنا يوماً معاً ونحن نلتف كالعرائش حول زقاق الحب ؛قد جفت فيه ريحُ ذكرياتنا، وغابات السنديان والصفصاف والفدادين المروية بعبق أنفاسنا ونحن نفتح أذرعنا للريح ونبتسم ؛قد غرقت في رمادِ جذوعها..
وأنت ؛ أنت ..لابدأنك مثلي الآن ؛تعانق الصور وتنصهر،فلْنلتقِ إذا من جديد في هذه المعمعة، ولكن عِدني ألا تقف طويلا في تلك الرسوم على بُقعتي الزيتية المالحة؛فحضورك الناريّ المخضب بالغياب في هذه اللحظات لن يطفئ لظى شوقي،لكنه سيقتلني أكثر..
دعكَ مني ومنكَ ؛فعناقنا لم يعد يُجدي ،وساعدني بنفض الردم عن صورة حلب..
—–عبير غالب ظاظا—-سوريا