جفنها علم الغزل تلك التي حدجت رفيقتي على رصيف عين الدرج بنظرة رهيبة ، التفتت لتتبعها أو عساها تشيع شموخها قائلة : جميلة ،تدري يا صديقي أن المرأة لا تعترف بجمال المرأة ، كل واحدة منا تود لو كانت ازيس لوحدها ، لكنني أقر ،
قلت لها : قرأت في نظرتها تبرمها من وجودك بمدينتها ، كأني بها سألتك مستنكرة : أنت هنا ؟
قالت : ايه نعم ، …واثقة من نفسها ، كانت تسير بـ..
أكملت لها : عنفوان
و كنا تجاوزنا بقليل ازيس تشيح بوجهها عن العتيق عارية ، و لا أذكر أننا مددنا أكفنا لنشرب مما يندلق من بارد عن يمين و شمال متكئها الصخري ، و يتدفق أيضا من قدام و من خلف زلالا ، و لا تبركنا بحنائها التي يلطخنها بها العمريات في الأعياد و الإحتفائيات ، صديقتي قالت :
لا أحب أن أشرب منها ، مسكتني من كتفي و أشاحتني عنها ، و ما كنت أخبرتها عن قول السطايفية عن مدللتهم : اللي شرب من الفوارة مرة لا بد يولي،
لكن تلك التي بمشية متزنة سريعة فاعلة كعسكري يسرع في سيره دون هرولة في انضباط تام و تناسق رهيب جعلتنا نلتفت خلفنا حيث الفوارة لنتبع نزولها ، لكن دون جدوى فقد ابتلعتها المدينة بعد أن صنعت لنا لحظة استدراك جميل ، بثيابها تلك التي تجمع بين المحتشم و الأنيق و جمال ملامحها بفم رقيق الشفاه و أنف دقيق نسبيا و خدين قمريين و عينين شهلاوتين يعلوهما حاجبان كحرفي باء بخط نسخ مرتفع أو قل الثلث بقلم دقيق يخشى على الورق الضغط فلامسه برهافة لينثر جمال مداده مقلوبان متناظران ، و أجزم أن صديقتي أيضا بوجهها البدري و قدها المعتدل و نظرتها الواثقة جميلة كفاية لتكون ازيس أخرى لا ينصب لها البشر تمثالا يحجون إليه و لكنها تفتنهم و هي تزرع مرحها في روح المدينة ، لكن اعترافها لي بجمال تلك العمرية أوحى لي بتفحص ملامح الأخريات حين النظر إليها لأقرأ الاعتراف من عدمه ، و هالني أن كل من قابلناه في الشارع يتفحص و يحقق و يدقق منهم و منهن على السواء حتى الذي يكون رفقة فاتنة قد تكون صديقته و ربما زوجته يسترق نظرة سريعة عميقة إلى صديقتي ، و التي تكون أيضا رفقة رفيقتها أو رفيقها أو صديقها أو بعلها أو حبيبها ترشق صديقتي بسهم سريع من الحسد ، التفت بدوري إلى صديقتي لأبحث في ملامحها عن سر الاستثناء و رحت أحدد مكامن الجمال ، فقد أكون غفلت عن فتنتها ، أو عساه جفن التي مرت جوار عين الدرج قد علمني الغزل.
بقلم : عيسى بن محمود / الجزائر