سميرة بيطام
رحلات مكوكية لحكام عرب أو لوزراء الخارجية وحتى لممثلين ديبلوماسيين ..خطابات رنانة أُُستخدمت فيها جميع مصطلحات اللغة العربية المنددة بما يحدث في غزة من إبادة وقتل وتشريد وتدمير كامل للبيوت والمستشفيات والبنى التحتية ،وكذا الحقول والمزارع، تحت وطأة القصف مكثفا على غزة التي كلما زادت وتيرة الرحلات الى بيت الطاعة في أمريكا وختمها بتصريحات توحي أن المتحدث يدافع ويناصر غزة والحقيقة مجرد ذر للرماد في العيون وبلا فك للحصار ولا ادخال للمؤونة من الدواء والماء والأكل والملبس ما يكفي لاسكات جوع وعطش المعذبين في غزة، وأما الشهداء فهم أحياء عند ربهم يُرزقون..
فنحن كمدونين وكُتاب لم نجد المصطلحات والكلمات الكافية والمعبرة لوصف وشرح مضمون الجبن والخوف والتواطؤ ضد شعب أعزل وحيد قال كلمته للكيان المحتل : لا لتهويد فلسطين، ولا لسياسة الأرض المحروقة، رفض هو نفسه اتبعه الشعب الجزائري في رفضه لسياسة فرنسا مع الجزائر منذ سنة 1830 او تحديدا لما قبلها نظير ما شهدته الجزائر من مستعمرات متنوعة كتنوع المطامع والمصالح، فالرفض تعبير وسلوك صحي في مواجهة الظالم المستبد الطاغية الذي يتجاوز حدوده مكن أجل الظفر بخيرات البلد المحتل.
تعبنا كثيرا وتألمنا في حسرة وأسى ونحن نتابع تصريحات من يلقون على مسامعنا كلاما يحمل الكثير من ملامح الخيانة والتواطؤ سواء المعلوم منه أو المخفي ، فحتى الأئمة بُحت أصواتهم من الدعوة الى الجهاد في سبيل الله لإنقاذ إخواننا مما يعانونه من قهر وظلم شديد لم يشهده العالم في عصره الحديث من استخدام لأسلحة فتاكة وأساليب بشعة في محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني من بلده الى دول الجوار من مصر والأردن، في استغراب كبير للعقلاء فيما ان كان الحكام أو من يصفون أنفسهم بقادة الأمة العرب أنهم قد تألموا لتلك المشاهد من جانب انساني فقط ولا داعي لأن نسترسل في توابع الشعور بالحزن عليهم وانتهاج سبيل يترجم فعلا أنهم متألمون لتلك المشاهد المروعة التي تبثها الاعلام بصفة مستمرة، فعلا يستغرب الكثيرون من سكوت مجتمع عربي ونركز بالأولوية على العرب لأنهم الأولى في نصرة إخوانهم من منطلق الثوابت والقيم المشتركة من هوية ولغة ودين ، فلو اجتمعت هذه المبادئ لدى أجانب لا يتكلمون العربية لهزتهم تلك الأحداث هزا ولأعلنوا النفير العالي لتخليصهم من هذا الجحيم الطاغي .
فما هو خلل هؤلاء الحكام تحديدا وهم يستعرضون دوريا جيوشهم ويحتفلون بقوافل الأسلحة المتبناة لديهم في برامج الخطط الدفاعية للتصدي لأي خطر هجومي، في إشارة من هذه الدول العربية أنها حصنت حدودها وأعدت العدة لحماية أوطانها من أي عدوان ، لكن صراحة لم أفهم عن أي عدوان أعدوا له هذه العدة وهو نفسه من يستدعيهم في كل مرة للتشاور عن مستجدات مشروع الطمأنة لاكمال التوسع الإسرائيلي ، أليست مفارقة أن تستعرض هذه الجيوش نفسها ولم تعلنها صراحة : في وجه من ستوجه القذائف والصواريخ؟، هل ستوجه ناحية إسرائيل لفك الحصار عن غزة أم أنها ستكون ضمن خطة للدفاع المشترك عن كل من تسول له نفسه أو يدفعه ضميره لمساعدة غزة وفك الحصار الخانق عنها.
فوسط هذا التناقض من ردود الفعل ومن مخارج الاجتماعات واللقاءات الدورية التي لم تخرج بعد بتوصيات صارمة تضع الكيان الصهيوني عند حده ،هو ما سمح وشجع على تماديه ،لأنه وجد حاضنة عربية تضمن له البقاء والاستمرار، والا فما تعداد المسلمين والعرب في مقابل عدو هو سائر للتفتت والانتهاء مع مرور الوقت؟، كيان يجمع ذخيرته من الدول الداعمة له بما فيها الدول العربية بتموين من مداخيل نفطها وغازها، ثم لماذا تترك غزة هكذا تنزف أمام شاشات الاعلام ولا دولة عربية أو مسلمة استطاعت فك الحصار .
ماذا نسمي هذا العزوف عن مناصرة أهل غزة العزة؟ ، هل نسميه خذلان عربي بالاجماع أم هو عاهة أو علة مرضية أصيب بها الحكام العرب فامتنعوا عن توجيه جيوشهم لنصرة غزة، هذه العلة لها أسبابها ودوافعها والدليل على ذلك هو بقاؤهم في السلطة دون أن يتم استبدالهم أو الإطاحة بهم، اذا هي عاهات صحية بالنسبة لهم ومرضية بالنسبة لاخوانهم في العروبة وهذا من أجل بقائهم في كراسي العار التي لم تحرك ساكنا ولم تزلزل شعبا واحدا ليتجه نحو فلسطين لكسر الحصار ووقف آلة الموت عن حصد المزيد من الأرواح من هم شهداء في سبيل الله.
كثيرون ظنوا أن غزة انتحرت وهي تدفع قوافلا من أبنائها البررة شهداء، ولم يستوعبوا هذه الشجاعة التي انطلقت كالرصاصة يوم السابع من أكتوبر، رصاصة فاجأت الحكام وأيقظتهم من سباتهم العميق ، ظنا منهم أنه تم وأد القضية الفلسطينية ووقف طرحها مجددا في اللقاءات الدولية تحت أقبية البرلمانات و بالأخص في هيئة الأمم المتحدة..ولا حديث عن الجامعة العربية التي صارت بلا حدث ولا حديث يستحق الإشارة اليه.
واذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوصى بالتضامن والتآزر فيما بيننا كمسلمين في أحاديث كثيرة يعلمها الصغير والكبير ، لنستشف ان ثمة مشكلة حقيقية ليست كباقي المشكلات وهي حياد عن المنهج الرباني يعبر عن خلل في العقيدة والايمان والتي يُفترض التحلي بصفات الصالحين ودعاة الحق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي مخالفة للدين هو خروج عن الملة وخروج عن تعاليمه السمحة التي تشع دعوة للتآخي والالتفاف حول القضايا المصيرية التي نشترك فيها كعرب وكمسلمين ، وما نشاهده من امتناع صارخ في حماية أطفال رضع من هول القصف وإنقاذ نساء حوامل من الترحيل لهو مشاركة بشعة وخطيرة للعدو أن يستجمع قواه مع كل هدنة بما فيها المخترقة ليستمر القصف وبوحشية مبالغ فيها ، لأن هذا العدو يتغذى على سكوت الحكام ويتقوى معنويا برفضهم القيام بأي خطورة للنصرة وهو ما يترجم الخوف والجبن والعار لعرب قيل عنهم في سابق الحضارات أنهم كانوا أولى بالاكتشافات والاختراعات والنظريات الرياضية والفلسفية والقواعد الفيزيائية و صياغة الأبيات الشعرية المنقحة والخالية من شوائب الأخطاء الاملائية والنحوية والتعبيرية والوصفية في إضافة الى أن الرصيد اللغوي كان هائلا عندهم ، لتتحول هذه الأمة القوية في ماضيها الى أمة يسهل اجترارها في حاضرها كالعلك ثم طرحها أرضا بعد نفاذ صلاحية المحتوى منها ..
وعليه، يمكننا القول أن السيل بلغ زباه والتشبه بشخصية فرعون فاقت حدود التصور أن العدة التي تملكها هذه الدول العربية لم تزحف لفك الحصار عن غزة انما هو شكل من أشكال النفاق السياسي لضمان البقاء في كراسي الحكم ، لكن هيهات أن يدع الله منافقين وخونة وعملاء من الدرجة الأولى أن يتحكموا في مصير أمة كافح رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوحد صفحها ويجمع شملها تحت راية لا اله الا الله ، وما نعيشه اليوم من تزاحم وتنافس اعلامي واستعدادات بروتوكولية لكشب ثقة الشعوب العربية عبر وصفات مخدرة أن الوطنية و الاكتفاء حب الوطن أفضل بكثير من الانتقال للضفة الأخرى لمد يد العون للغزاويين العزل ، لكن الشعوب اليوم اكتسبت وعيا كافيا لما يدور حولها وداخل بلدانها، هي تعي جيدا أن فلسطين مظلومة ومسلوبة الإرادة في تقرير مصيرها الذي هو حق مكفول شرعا وقانونا وتكفلت به تشريعات دولية ووطنية مختلفة ، لكن الدور قادم على باقي الدول العربية ، وما تردد الشعوب انما يترجمه بعض الخوف والمشقة من توابع اعلان الموقف المشترك مع إخوانهم المضطهدين ، ولكن مع كن فيكون سيقلب الله الموازين وتحط الرحال في فلسطين لنجدة إخواننا اليوم أو غدا ، وما نشاهده من ضغوطات على غزة وحصار دقيق الأبعاد والحدود انما هو مخاض عسير سينتهي لا محالة بخلاص غزة التي قدمت الآلاف من أبنائها فداء للمسجد الأقصى.
ليس عبثا أن نقول أن الخذلان العربي هو عاهة مرضية أصابت عقول وقلوب الحكام وليس مزايدة ان قلنا أن الحكام مصابون بالتخمة في بطونهم وجيوبهم لدرجة انهم لا يشعرون أن الصاروخ اذا سقط على رأس طفل صغير فمزق جسده هو بمثابة جريمة فاقت كل الأوصاف ليبقى حضرته متفرجا ولا يحرك ساكنا ..ألا يعتبر هذا انفصام عن الواقع بشخصية مريضة ؟
انه الخذلان الذي تكلم عنه رسول الله صلى الله عليه وسلكم وهو يصف واقع العرب بالمخزي مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم : لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليومَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هذِه. وَعَقَدَ سُفْيَانُ بيَدِهِ عَشَرَةً. قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قالَ: نَعَمْ، إذَا كَثُرَ الخَبَثُ.
فلا محالة شرهم اقترب ونهايتهم كذلك اقتربت لا لشيء سوى لأن الله حق وعدل ولا يمكن لغزة أن تدفع لوحدها ثمن الرباط والجهاد في سبيل الله لأن المقدسات هي مقدسات أمة بأكملها وليس حصريا على دولة واحدة هي دولة فلسطين ..
اللهم لا تطل عمر الأزمة على المغوارة غزة ولا تشمت فيها عدوا ولا على دم شهدائها، اللهم نصرك الذي وعدت لغزة ولكل مظلوم تجرع من كأس الظلم شرابا علقما، انك مجيب الدعاء.
.