كُنتُ مدينةً من نداءٍ لا يُجاب،
طافت بي الأرواح كما الريح في دروبٍ منسيّة،
كل بابٍ فتحته، كان وراءه ظلّي ينهار،
وكل نورٍ لحقته، كان وهماً على هيئة نجمةٍ مطفأة.
كنتُ أبحث عنك،
في بقايا الحكايات التي تآكلت أطرافها من كثرة النحيب،
في دفاتر النسيان،
في الطرق التي لا تعود إلى شيء،
ولا تفضي إلى أحد.
أخبروني أنك هناك…
في جهة القلب التي لم تُكتشف بعد،
في فجوةٍ بين دمعتي وابتسامتي،
في النور الذي يسقط من السماء ولا يصل.
هل تذكر؟
حين كنا نحمل الضوء كأننا خُلقنا من وهج الأنبياء،
وحين كانت خطواتنا فوق التراب، تزرع المعنى…
ثم متنا ولم نمت.
تفتتنا كغبارٍ يتيم في مهبّ النهايات.
قالوا لي: لا تبحثي عنه،
لقد صار من صلب الغياب،
يسكن شقوق الصمت،
ويحرس أبواب الضياع.
لكن قلبي…
ما زال يُناديه بلغةٍ لا يسمعها إلا الذين فُطروا على الوجع،
ولا يفهمها إلا من فُجعَ بحلمٍ،
ونام على صوته وهو يختنق.
يا أنت…
يا من سكنك اسمي ولم تبقَ،
أعد إليّ ظلي،
أعد إليّ ليلي،
أعد إليّ أنا التي ضاعت في مرافئ التيه الأخير.