وفاؤنا للأشياء أشد وفاءً من وفاء أعمارنا لنا فالعمر لا ينتظرنا لنسج حكايات الحبّ والعطاء وسردها الطويل.. ليس شرطاً في لغة علاقتنا مع الجميع أن نختار الأبيض والأسود فمزج الألوان لا يتقنه إلاّ محترفوا فنية الفهم.. لذا لا تجعل قلبك يلوح باكياً بانتهاء الكثير من الحكايا الخاسرة فليس هناك علاقة مقدّرة إلاّ وقد تمنحك فضاءً من الصعب فهمه عندما تظن أن الشيء كان بوقته فقاعة.. كثيرة هي العلاقات المنهكة لنا تكن زاد طريقٍ لتضيء في الطريق… ربما تستيقظ بداخلك على انك فارقت أحدهم وهو يعجّ بالحياة أمامك وربما تنزف روحك على فقدٍ نابك قبل عقودٍ من الزمان… استيقظت اليوم بعد أن ظننت أن ما كان من وجع أمس حالة موت.. تحسست جثتي التي ظننتها هامدة كانت تومىء انها على قيد حياة شعرت بحاجتي للقهوة نظرت للجدران للسقف للشبابيك…تناولت هاتفي تصفحت لم أجد لي نعياً هنا أو هناك.. إذن كنت اموت وحدي في وقت ٍ قد أطير به بعمري من نوافذ عمري.. سأنتظر نعياً بسيطاً من خلف الأجهزة وقد يعجز أحدهم أن يكتب رحمها الله فيكتفي بأحزنني.. مجاناً كلّ شيء على هذا الجهاز.. القصائد الجاهزة للأحبة.. الورد.. البحر… الجمال أفرحني وأحزنني والكثير الكثير مما كنّا نعتقده مقدّساً أمسى بلا قداسة… ما أكثر الحبّ بلا حبّ وما أكثر الورد بلا رائحة وما أكثر القصا ئد بلا معنى… لذا سأغلق عيني وقلبي على كلّ ما كنت أؤمن بقداسته قبل هذا الجهاز اللعين…. سأبحث عن رسالة من أبي يسرد فيها كل شيء عن غربته يبدأ فيها بزوجتي العزيزة ولا يكتب حبيبة مع أنها أحب الخلق إلى قلبه حياءً من أولاده الذين سيقرؤون الرسالة وإخوانه واخواته الذين سيذكر اسماءهم فرداً فرداً .. سأبحث عن بعض رسائل صديقاتي المملوءة ببعض أوراق الورد الجوري وابحث عن الصور القديمة التي كان يلتقطها ابي بعناية فائقة وننتظر على احرّ من الجمر عند تحميض الفيلم وكأنه يوماً مشهوداً.. يشهد على كلّ ثانية في هذا العمر بأنها لحظة تاريخية… لا طعم للصور على هذا الجهاز لا طعم حتى للطعام الذي ننتظر سكبه لغايات التصوير أو مشهد حزن بلا حرن يتم نقله في حالات تمثيل بكاء أو طعم عبادة أوصلها للجمهور ما اتعسنا ونحن نشتغل بمن حولنا عن حالنا.. وحولنا مشتغل بحالنا عن حاله… هالة الأشياء من حولنا أفقدتنا فخامة حضورنا….
إيمان العمري