تبكي الشآمُ وتندبُ حظها أسفا
سيل الجراحِ و هذا الطُهْر إذْ نَزَفَ
تبكي الديارَ وتبكي الياسمين هنا
شاخَ البهاءُ فأين الحُسن قد صُرِفَ؟
بَكَتْ الهوانَ إذا ما الحالُ أرذلهُ
شابَ الوليدُ و قلبُ الكهلِ قدْ وَجَفَ
تبكي العذارىَ إذْ الأنواءُ قدْ عَصَفَتْ
سَلَبَتْ عفافاً طاهَراً ، نُسِفَ
ما للبلابلِ قد هامتْ بِلا رَشَدٍ ؟
و الأيكُ أمسىَ بِلا أعشاشهِ ، أزِفَ؟
طُفتُ الشوارعَ ، أين أُناسها رحلوا؟
و الطيرُ أمطرها من وابلٍ ، كِسَفا
(نيرونُ) هذا العصرِ أجمع حقدهُ
ومضى حريقاً في الديارِ إذا سَفَا
رهطُ النظامِ و وبشُ الفرسِ إذ جمعوا
حِقدَ المَجوسِ وكيدَ الروسِ فأتلفا
هدموا المنازلَ ما أبقوا ولم يذروا
كمْ مِنْ بريءٍ بِلا ذنبٍ غدا عَصْفا؟
ناديتُ جَلِّقَ ردَّ النهرُ مِنْ ألَمٍ
حلباً تُبادُ و صوتَ الحقّ قد خُطِفَ
ما للمباني ، كما لو أنها إرتجفتْ؟
من تحتها الأرض زلزال إذا خَسَفَ
يا شام ، قلبي اليك اليوم أَرْهِنَهُ
دمعي عصيٌّ ، ولكنْ فيك قد ذرفَ
وَجَعي هناك ، على الشاغور أنثرهُ
قلبي و عقلي على الأنّاةِ ما اختلفا
مِنْ حمص تَخْفِقُ يا درعا أناهيدٌ
صدىَ وَجَعي كشريانٍ إذ إرتعفَ
ما للجنائن و الأرياف قد مُحِقَتْ؟
أمسَتْ قِفاراً تولّىَ الزهر فانصرفَ
حُكُماً عضوضاً بِحَدِّ السيفِ تطلبهُ
أرخىَ غموضاً على الأمصار فاكتنفَ
الناسُ تأبىَ ، فهل ترضاكَ رائدها؟
لَكنَّ مثلك يا (نيرون) ما عَرَفَ
لنْ تَغْفِرَ الأجيالُ في الإجرامِ أَنمُلةً
و كيف الطفلُ قد ينسىَ مَنْ إقترفَ؟
كأس المرارة ، من ينسىَ تَجَرُّعَهُ؟
فهلْ ينسىَ لِطَعْمِ المُرِّ مَنْ رَشَفَ؟
ففي عينيكَ مِنْ إصرارها مَكْر
و أهلُ الشامِ قد عَدّوا لكَ الحَتْفَ
و مَنْ آخىَ مع الإفرنجِ توأمةً؟
كنهجِ أبيكَ للجولانِ حين عَفا
على الأعداءِ كَلُّ الكفِ قاصرةٌ
إذا كفاكَ تَنقض غزلها سَرَفَ
جنود الشام ، ما هيأت عُدتها
لدرءِ الحَيف ، أو للذودِ و أسفا
قد أعددتَ بعضاً مِنْ جلاوزةٍ
تسومُ الناسَ لمّا عرشك إرتجفَ
فَمَنْ شَقوا عصاكَ اليومَ ثوارٌ
و أجنادٌ تَولوا صوبَكُمْ زحفا
غداً والصبحُ ميعاد ببارقةٍ
فلا أملٌ ، إذا ما رُمْتَهُ تَرَفَ
كفاكَ الآنَ ، إنَّ الجُهدَ مثلبة
قِناعُ الزَيَفَ عن قُبحٍ قد إنكَشَفَ
فَكَمْ رَوْيتَ تُربَ الشام مِنْ دَمِهِمْ
دم الأطفال ، هلاَّ خِلتَهُ تلف؟
…
الشاعر: حسين علي العُمري