( 1 )
سار في المدينة و القهر حمم تتدفق من عينيه ، و عندما أوشك على الخروج ، منها التفت إليها متحسراً لا يملك سوى كلمات الوداع الأخيرة.
( 2 )
(هنا سأكون و يكون معبدي ).
هذا ما قاله لحظة حط في منفاه.
المعبد الذي أنشأه كان بدائياً ، سقفه من القش ، و جدرانه من الحجارة الملطخة بالطين ، أما التمثال الذي طالما راوده في طقوسه فقد نحته من الصخر ، و ثبت أمامه طاولة مستديرة كانت بمثابة المذبح الذي تقدم عليه القرابين .
( 3 )
يفرغ الشاعر من إقامة طقوسه الخاصة في المعبد ، ينطلق صوب حقيبته …يخرج أوراقه…يضعها على المذبح …يهم بكتابة قصيدته التي أرقت تفكيره مذ خرج من المدينة…يبحث عن المداد…لم يجده… ينظر للتمثال حائراً …و بينما هو على هذه الحال يسمع صوتاً غريباً… يستدير بحذر… يقف … يسترق السمع… يمشي ببطء … يختلس النظر… عصفور يعبث بالقش… رياح الفوضى تعصف بعقل الشاعر… يلتقط حجراً … يضرب به العصفور كقذيفة كلها حيرة… يسقط العصفور صريعاً… يهرول الشاعر متعثراً… ينتف ريش العصفور…يصفي دماءه في زجاجة… يضعها على الطاولة….يرفع رأسه… يحدق في التمثال …يسترحمه… شعاع دموي يعامد رأس التمثال… صوت غاضب يتردد في أرجاء المعبد :
– أصبحت القربان أيها الشاعر .
( 4 )
حالة من الذهول تضرب ذاكرة الشاعر … يمسك ريشته …يغمسها بدم العصفور…يبدأ بتسطير الحروف الأولى من قصيدته… الذاكرة ترحل حيث النهر… امرأة مسجاة على ضفته…شعرها يتدلى في النهر… يهرع نحوها…يخلع معطفه … يغطيها…يحملها … يضعها على المذبح… الحياة تشرق في عينيها…تنظر إليه بحيرة….
– من أنت؟!
– أنا قربان المدينة ، و أنت؟!
– أنا من ألقوها في النهر كي لا يغرقوا.
– إذن كلانا الضحية ( قال ذلك منكسراً )
( 5 )
تلتفت المرأة إلى يمينها ، تجد أوراقاً خط عليها بالدماء… الخوف يأخذها إلى ارتعاشات مبعثرة… تزجره بارتباك..
– ابتعد عني!! ابتعد…أنت قاتل…قاتل…!!
-لا…لالا…لا… لست قاتلاً…
– وتلك الدماء!!!!!
– خفت أن يأتي يوم على العصفور لا يجد فيه عشاً….
( 6 )
يضع الشاعر يديه على وجهه …يمسحه …يدير رأسه يمنة و يسرة…الدموع تنهمر من عينيه…..المرأة تتحول إلى دخان كثيف يتصاعد للأعلى….ينفض الشاعر رأسه … يعود لوعيه… يمسح دموعه… يمسك ريشته مرة أخرى ليكمل ما تبقى من قصيدته….