لن ابحث ولن اتحرى الدقة في موضوع تحريم البيبسي، ولن اقف كثيرا على سر اختفاء السكر في مصر، ولن يعنيني كثيرا موقف وزير خارجية كندا من جلد المدون السعودي رائف بدوي، ولن اعود لموضوع المناهج او لموضوع الاقتتال بعالمنا العربي فكلها امور تخبرني ان لاحول ولا قوة لايٍ منا فيها وانما ترتبط بمشيئة غريبة غربية .
جادت قريحة وزير تربيتنا بقرار تركيب كاميرات مراقبة في مدارس الاردن وهو قرار مضحك مبكي يوحي ان وزارتنا تعيش في عالم خيالي وليس فيه من المثالية شيء، فمدارسنا يا سادة تحتاج لكل شيء إلا كاميرات مراقبة.
مدرستي كعشرات المدارس ايلة للسقوط، وتحتاج الى كثير من الامور التي تدفع الطالب والمعلم الى الشعور بالطمأنينة فيها، تحتاج الى اوراق وحبر كي يكتب المعلمين على الواح صنعوها بانفسهم، تحتاج الى حارس والى مقاعد وتلفاز او ربما ساعة للدوام وغيرها من الامور الضرورية، ومع ذلك يريدون تركيب كاميرات فيها ..!
مدرستي حاول احدهم ان يسرق مقصفها(الدكان) ولما صعد الص على السقف انهار جدارها، مدرستي لا تحتاج الى كاميرا لانه لا يوجد فيها ما يُسرق.
مدرستي تاخر معلم اللغة العربية فيها تقريبا مدة شهر ثم جاءها معلم على التعليم الاضافي وسرعان ما غادر من شقاوة الطلبة وقبل ايام جاءها معلم كفوء وعدد حصص المعلمين فيها تكاد تنهك جمل ..!
مدرستي تقع في منطقة ينتشر فيها الفقر والتعاسة، مياهها لا تُشرب، والدفء فيها من الاماني، وتتفشى فيها ظاهرة بيع وشراء الحشيشة والجوكر، ولا أمن فيها فبعض سكانها مشاغبين حراكيين فعوقبت بسحب كل الدوائر الحكومية منها ..!
في مدرستي طالب مقطوع اليد يحتاج الى يدٍ صناعية، وطالب يكاد يصبح اعمى وطالب لا يمتلك ثمن سندويشة محروم مع انه من اكثر الطلبة تميزا بعلمه.
باختصار شديد هذا واقع مدرستي ومثلها الكثير قديمة البناء وتنتشر على مساحة الوطن المنهوب وتريد يا معالي الوزير فيها كاميرات، ترى ماذا ستراقب ؟ كلمات الطلبة الصباحية، ام كلمتي الاسبوعية التي اتحدث فيها عن الاقصى والصهاينة الملاعين، ام لعنات الطلبة على بعضهم البعض، قبل ان تفكر في وضع الكاميرات عالج كل ما سبق من الاختلالات واحسب حسابا ان الكاميرا في مدرستي لن تبقى في مكانها سوى ايام معدودة وبعدها ستكسر او تسرق وتباع مقابل ربع ثمنها.
لما كان شر البلية ما يُضحك، فاعلم أن واقع التعليم متردي والتربية شبه معدومة فقد قُتلت روح الانتماء للمهنة، والتعليم ما عاد رسالة مقدسة والمدارس صارت تجمع سكاني لا يُنتج (مضب) ثق يا معالي الوزير برغم الجهد المبذول من قبل هيئة التدريس للارتقاء بمدرستي وقيامي بشكل يومي بجمع القمامة منها الا انها بكل بساطة لا تصلح للحياة .
واخيرا ان صح انه سيتم تركيب (12الف) كاميرا في مدارسنا والتي ستحتاج الى صيانة مستمرة وخبراء فإنه قرار غبي لا يخدم مصلحة احد سوى صاحب العطاء الذي ربما سيظهر بعد فترة انه من الحيتان الذين يأكلون الاخضر واليابس، او من الصراصير السامة الذين يمارسون البلطجة في الشوارع، وكل ما ارجوه ان لا يكون احد الجراذين المنتشرة في مدرستي وتقضم ما تبقى من كتب في مكتبتها .