أسرارُ النُّونِ/ بقلم : ورود احمد الدليمي (العراق)

نُونٌ…
رَحِمُ الحَرْفِ وَمَهْدُ المَعْنَى،
قَوْسٌ مِن نُورٍ يَتَقَوَّسُ لِيَحْمِي نُقْطَةً
كَأَنَّهَا بَذْرَةُ الخَلْقِ،
شَفَّافَةٌ كَدَمْعَةِ قَمَرٍ تَسْتَحِمُّ فِي نَدَى الفَجْرِ.

فِي بَطْنِهَا
تَسْرِي أَنْهَارُ النُّورِ كَأُغْنِيَةٍ بِلَا بَدَايَةٍ،
وَتَتَّقِدُ نِيرَانُ الشَّوْقِ كَجَمْرٍ فِي لَيْلِ اليَاسَمِينِ،
وَتَتَنَفَّسُ أُنُوثَةٌ مِن مَاءٍ يَلْمَعُ،
كَحُلْمٍ يَقْطُرُ مِن جَفْنِ الغَيْمِ.

النُّقْطَةُ فَوْقَهَا لَيْسَتْ حِبْرًا…
إِنَّهَا قَطْرَةُ الحَيَاةِ الأُولَى،
لَبَنُ المَعْنَى الَّذِي رَضَعَتْهُ الأَرْوَاحُ،
دَمْعَةُ الوِلادَةِ الَّتِي لَمْ يَجِفَّ مَلُوحُهَا،
سِرٌّ يُضِيءُ مِن غَيْرِ أَنْ يَحْتَرِقَ.

النُّونُ…
حِضْنُ الأَرْضِ حِينَ تَفْتَحُ ذِرَاعَيْهَا لِلْمَطَرِ،
وَصَدْرُ الأُفُقِ حِينَ يَنْحَنِي لِيَمْسَحَ جَبِينَ البَحْرِ،
وَمَاءُ الغَيْمِ حِينَ يَهْطِلُ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ
فَيُزْهِرُ قَلْبُهَا بِالرُّمَّانِ وَالرَّيْحَانِ.

كُلُّ مَنْ اقْتَرَبَ،
رَأَى فِي انْحِنَائِهَا ظِلَّهُ يَرْقُصُ،
وَاكْتَشَفَ أَنَّ النُّقْطَةَ لَيْسَتْ نُقْطَةً،
بَلْ كَوْكَبٌ صَغِيرٌ يَدُورُ حَوْلَهُ المَعْنَى،
وَأَنَّ القَوْسَ لَيْسَ قَوْسًا،
بَلْ ذِرَاعٌ مِن أُنْثَى الخُلُودِ
تُخَبِّئُ فِي قَبْضَتِهَا سِرَّ الوُجُودِ.

وَحِينَ تَسْقُطُ النُّقْطَةُ فِي آخِرِ السَّطْرِ،
لَا تَنْتَهِي الحِكَايَةُ…
بَلْ تَبْدَأُ حَيَاةٌ أُخْرَى
مِن رَحِمِ النُّونِ،
حَيْثُ الحُرُوفُ أَطْفَالٌ
يَرْضَعُونَ مِن ضَوْءِ السِّرِّ الأَبَدِيِّ.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!