الحلقة الأولى
بقلم: فابيولا بدوي
هذه المقالة هي الحلقة الأولى من مشروع فكري متسلسل بعنوان “تحالف الضرورة”، تسعى فيه الكاتبة إلى تفكيك العلاقة المعقدة بين النسوية والسلطة الدينية الأبوية، واقتراح إطار نقدي تركيبي يجمع بين حدة الرؤية الراديكالية وواقعية الليبرالية، في مواجهة بنية فكرية واجتماعية شرعنت الذكورة باسم المقدس. في هذا العالم العربي الذي ينام على فتاوى ويصحو على وصايا، لم تعد قضايا النساء مجرّد حقوق منقوصة، بل أصبحت مرآة لشرعية السلطة ذاتها. وكلما اقتربنا من طرح الأسئلة، ارتفعت الأسوار، وتحوّل النص إلى سيف، والمقدس إلى جدار يردّنا إلى الوراء. ولكن… من قال إن الفكر يهاب الجدران؟ نحن بحاجة إلى تحالف نسوي جديد. تحالف لا يبحث عن المصالحة بين مدارس متباينة، بل عن تحالف الضرورة، الضرورة التي تفرضها لحظة المواجهة مع أعتى تجليات السلطة: السلطة المؤلهة باسم الدين. الليبرالية: عدالة بلا جذور؟ النسوية الليبرالية آمنت، ولا تزال، بأن التغيير يأتي من إصلاح القوانين وتحديث الخطاب، وبأن الحرية الفردية هي حجر الزاوية لكل عدالة ممكنة. لكنها، في بلاد تُكتب فيها القوانين بمداد الموروث، كثيرًا ما وجدت نفسها تُفاوض على المساحات الضيقة، وتُحاصَر بلعبة “ما يجوز وما لا يجوز”. في أحسن حالاتها، تسهم الليبرالية في ترميم جدار، لكنها قلّما تهدم البنيان كله. فهل يكفي إصلاح ما وُلد ليكون أداة قمع؟ الراديكالية: وضوح بلا جسور؟ أما الراديكالية، فهي تقولها واضحة: “النظام كله فاسد”. لا تكتفي بتعديل النص، بل تخلع قُدسيته، وتُعرّي اللغة من قشرتها الذكورية، وتعلن الحرب على بنية الدين الذكوري نفسه. لكنها، إذ تفعل ذلك، تخسر الجسر بين الفكر والناس، وتُعلّق نفسها في سماء نظرية لا تعبُر إلى أرض الواقع. في أيدي الراديكاليات، تُضاء الأسئلة، لكنها قلّما تُكتب القوانين. بين المطرقة والأداة لا الليبرالية تكفي، ولا الراديكالية تصلح وحدها. الليبرالية تُراوغ، والراديكالية تُصعق. فلنجرب طريقًا ثالثًا: أن نسمح لكل منهما أن تكون ما هي عليه، وأن نُخرج من تباعدهما تحالف الضرورة. تحالف تستخدم فيه الراديكالية المطرقة لتهشيم الأصنام، وتأتي الليبرالية بالأداة لتفكيك البنية وبنائها من جديد. لا وحدة فكرية… بل وحدة معركة إننا لا ندعو إلى مصالحة بين الرؤى، بل إلى تواطؤ نضالي واعٍ. ففي وجه القوامة التي تُكتب بمداد الآية لا العقل، وفي وجه الحجاب الذي يتحوّل من خيار إلى قانون غير مكتوب، وفي وجه “المقدّس” الذي لا يمسّ إلا المرأة، نحتاج إلى كل الأدوات: من يصرخ، ومن يُقنع. من يهدم، ومن يُفاوض. من يعلن الحرب، ومن يكتب الدستور. نحو ما بعد السؤال هذه الحلقة ليست إجابة، بل دعوة لطرح السؤال بصوت أعلى: هل يمكن أن تتحالف مدارس الفكر النسوي، دون أن تذوب؟ هل نستطيع أن نخوض معركتنا بسلاحين، دون أن يضرب أحدهما الآخر؟ هل يمكن، أخيرًا، أن نتحرر من القيد الذي كُتب علينا باسم السماء؟ سؤال واحد… لكن في صوته، تبدأ ثورة.